رغم التعثر الحاصل في مسار الهدنة، التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، إلا أن ترسانة الأسلحة، التي بحوزة الحوثيين تشكل، وفق سياسيين يمنيين، أكبر عقبة في مسار إنهاء الحرب.
والتوصل إلى سلام شامل، وإعادة الاستقرار لهذا البلد، الذي مزقته حرب، بلغت ذروتها باجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في النصف الثاني من عام 2014، وبات سلاح الحوثي واقعاً ميليشيوياً موجهاً ضد اليمنيين.
يتفق سياسيون وخبراء في النزاعات ومحللون على أن الموقف السياسي للحوثيين، خلال فترة التسوية وعقب إيقاف الحرب، ليس بحد ذاته عقبة في طريق إنهاء النزاع وعودة الاستقرار، بل إن ترسانة الأسلحة التي استولوا عليها من مخازن الجيش، بخاصة الصواريخ بعيدة المدى والدبابات الحديثة.
وما تلا ذلك من حصولهم على تقنية الطائرات المسيرة، والصواريخ البالستية، التحدي الذي يواجه التسوية، التي رسمت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسارها، والقائمة على اتفاق شامل لوقف القتال، تحت إشراف مراقبين محليين ودوليين، ويعقب ذلك من تشكيل حكومة من كل الأطراف المتصارعة، تتولى الإشراف على مرحلة انتقالية، يتم خلالها الاتفاق على دستور الدولة وشكلها. وبالتزامن مع ذلك يعمل خبراء عسكريون دوليون ويمنيون على البدء بدمج التشكيلات المسلحة، وجمع الأسلحة الثقيلة.
هيكلية حوثية
ويرى المحلل السياسي عبد الناصر عبده أنه من الصعب الحديث عن إمكانية نجاح أي تسوية في ظل احتفاظ الحوثيين بأسلحتهم.
مشيراً إلى أن هذا السلاح يشكل تحدياً لأي حكومة يمكن تشكيلها، كما أن الجناح السياسي للحوثيين أسير للجناح العسكري، استناداً إلى التركيبة التنظيمية للجماعة، التي لا تسمح للجناح السياسي باتخاذ أي موقف بمعزل عنها، حيث يرأس عبد الملك الحوثي هيكلاً عنقودياً للجناح العسكري والمخابراتي، ويتحكم بالقرار مع مجموعة محدودة من المقربين وخبراء من ميليشيا حزب الله اللبناني.
ويدلل على صوابية ما ذهب إليه بالقول إنه لاحظ ذلك خلال أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل في عام 2013، حيث إن الجناح السياسي للحوثيين شارك ووافق على معظم مخرجات المؤتمر، لكن الجناح العسكري كان له رأي آخر.
حيث أقدم على اختطاف مسودة الدستور، ومنع انعقاد جلسة المصادقة عليه، وبعد ذلك قرر اجتياح صنعاء، وفرض أمر واقع بانقلاب عسكري، وصرح زعيم الحوثيين حينها أنهم أرادوا منع تطبيق مخرجات المؤتمر.
ويضيف: الحوثيون يؤمنون بأن السلاح هو الذي جعلهم طرفاً سياسياً أساسياً، في حين أنهم لا يمثلون قاعدة شعبية حقيقية. إنهم يريدون استنساخ تجربة حزب الله، من خلال الحصول على الثلث المعطل في الحكومة الانتقالية، لضمان تعطيل أي قرار سياسي لا يتفق مع توجهاتهم، وكذلك من خلال الاحتفاظ بالسلاح.
غياب الحسم
وحسب عبده فإنه وبالنظر إلى التجربة القائمة في العراق فإن عدم حسم موضوع السلاح والتشكيلات الموجودة خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية، فإن تجربة نحو عقدين من الزمن تبرز مستوى التحديات والتعقيدات، التي تواجه قيام مؤسسات الدولة الوطنية، ويقول:
إن التسويات السياسية إذا لم تتنبه لذلك فإنها ستؤدي إلى ظهور نموذج آخر لحزب الله في اليمن، حيث تم التسويق لسلاح هذا الحزب في البداية أنه موجه نحو إسرائيل، ولن يوجه إلى أي لبناني لكنه اليوم مصوب نحو اللبنانيين، ويتحكم بكل مؤسسات دولتهم.
وتحدث أحد العاملين في جانب الوساطة الدولية بين الأطراف اليمنية إلى «البيان»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن «سلاح الحوثيين هو العقدة»، وليس تمثيلهم السياسي في مرحلة التسوية، لكنه، ومع ذلك، يجزم بأن لا أحد، وفي كل اللقاءات العلنية أو المناقشات، تناول موضوع الترتيبات العسكرية لما بعد التسوية.
وقال إن كل الوسطاء منشغلون حالياً بالآلية التي يمكن أن تربط أو تنسق بين المكونات الفعلية الموجودة على الأرض بخصوص شكل الدولة، ولا أحد لديه الرغبة ولا الإمكانات للدخول في هذه التفاصيل المعقدة خوفاً من أن تؤدي إلى إفشال أي جهود لوقف إطلاق النار.
ووفقاً لمصدر دبلوماسي لـ«البيان» فإن سويسرا وباتفاق مع مجموعة الدول الخمس بشأن اليمن تعمل بصمت على الملفين الأمني والعسكري، بحكم أن لديها خبرة متميزة في هذا الموضوع باعتبارها دولة فيدرالية.
وقال: إن الرؤية العامة لدى الوسطاء والدول المعنية بملف اليمن هي أنه يمكن في مرحلة من المراحل أن يحتفظ كل طرف بسلاحه الخفيف والمتوسط، الذي يستخدم لضبط الأوضاع الأمنية، ولكن مقابل نزع الأسلحة الاستراتيجية مثل الصواريخ طويلة وقصيرة المدى والطائرات المسيرة.
خطة السلام
المحلل السياسي صالح الجفري يقدم رؤية مغايرة يشير فيها إلى ضرورة أن تشمل خطة السلام الجوانب السياسية والعسكرية، كما حدث مع الخطة التي اقترحها المبعوث الأممي الأسبق إسماعيل ولد الشيخ، والتي تنص على تسليم الأسلحة الثقيلة إلى لجنة عسكرية، تشرف عليها الأمم المتحدة، ويتم تجميع هذه الأسلحة في منطقة معينة.
ويقول: إن تفاصيل عملية السلام هي الأهم بما هو مفروض أن تتضمنه بشكل جلي وواضح من إجراءات تؤدي إلى نزع كل عوامل التوتر، ومنها قضية السلاح الذي يجب حصر امتلاكه للدولة بالشكل، الذي تفضي إليه عملية السلام.
ويضيف: أمر السلاح والتمثيل في الحكم وغيرها من القضايا والمطالب لأطراف الصراع يفترض أن يؤمنها، ويضمنها اتفاق السلام، ويجزم بأن المجتمع الدولي لن يفتقر للحلول والبدائل، استناداً إلى أوضاع مشابهه في غير بلد كالذي تمر به اليمن اليوم.
وشدد الجفري على المجتمع الدولي ورعاة عملية السلام استيعاب تفاصيل المشكلة اليمنية المركبة بكل تعقيداتها، وتفعيل كل أدواته، بما يفضي إلى سلام عادل ومستدام، وقال: إن على كل الأطراف المحلية والإقليمية تحمل مسؤولياتها، بما يرفع المعاناة عن كاهل الشعب اليمني.