ثمة حراك فلسطيني-أمريكي مشترك، يقوده خبراء اقتصاديون، يوحي بأن السلام الاقتصادي قد بدأ بالفعل، إذ تنشط اللقاءات، والمباحثات الثنائية بين رام الله، وواشنطن، بمشاركة شخصيات وازنة من الجانبين، ضمن مساعٍ ترمي صوب شراكة قوية بين السلطة الفلسطينية، والإدارة الأمريكية، تهيئ الأجواء لفتح مسار سياسي، وإن كان هذا عبر البوابة الاقتصادية.

في الأيام الأخيرة، زار فريق اقتصادي أمريكي مدينة رام الله، وأجرى لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين، بينهم: وزير الاقتصاد، زهير العسيلي، وتناولت المباحثات، أهمية تعزيز الاستقرار، وأظهرت اهتمام الإدارة الأمريكية بدعم جهود السلام والاستقرار في المنطقة، وضرورة إطلاق أفق سياسي، مع الدفع بتدابير متساوية للأمن والازدهار، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دون إغفال التزام الجانبين الفلسطيني والأمريكي بحل الدولتين، على حدود العام 1967، وفق الرؤية الدولية.

لم تكن هذه المرة الأولى، إذ سبقها عدة لقاءات ومباحثات ثنائية، وركزت في مجملها على أهمية تكثيف الجهود لتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني، وتهيئة البيئة الأمنية، بما يجلب الهدوء والاستقرار، ويمهد الطريق لفتح قنوات تفاوضية، ومسارات سياسية مع الجانب الإسرائيلي.

وفق مراقبين، فإن هذه اللقاءات، وإن غلفها الطابع الاقتصادي، لكنها لم تغفل الأوضاع الميدانية، التي تصاعدت أخيراً، وأوقعت نحو 200 فلسطيني، وما يزيد على 35 إسرائيلياً، ذلك لإدراك الجانبين الفلسطيني والأمريكي، أن تعزيز التعاون الاقتصادي، من شأنه أن يثمر مساعي مشتركة، في المسار السياسي.

واستناداً إلى مسؤولين فلسطينيين، فالفريق الأمريكي، دائم التأكيد، لضرورة التخلي عن كل ما من شأنه تغييب «حل الدولتين»، وتوتير الأجواء، أو الانزلاق إلى مطبات التصعيد، مع التشديد على تعزيز العمل الدبلوماسي، إلى جانب الغوص في مستقبل العلاقة بين رام الله وواشنطن.

ويقرأ المحلل السياسي، هاني المصري، في تشكيل لجنة فلسطينية-أمريكية، مهمتها تعزيز عمل الجانبين، والوقوف على البرامج والتدخلات المهتمة بإنعاش الاقتصاد الفلسطيني، بداية مرحلة السلام الاقتصادي، بما يبقي على الحل السياسي حياً.

وحسب المصري، فإن تعزيز التعاون الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، إلى جانب دعم التنمية الاقتصادية في فلسطين، وتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني، وتزامن هذا مع الحديث عن استئناف المساعدات المالية الأمريكية للفلسطينيين، ما هو إلا مقدمة لسلام اقتصادي، ينتظر أن يكون بديلاً للمسار الدبلوماسي في المرحلة الحالية، لاسيما أن مطبخ استئناف المفاوضات والتسوية السياسية يعمل على نار هادئة.

وفي الجانب الإسرائيلي، لا ينفك مسؤولون كبار، عن تقديم المقترحات والحلول السياسية، بقوالب اقتصادية، بهدف منح الفلسطينيين فرصاً اقتصادية أكثر، وسقف حريات أعلى (وفق تقديراتهم) ومرد ذلك، قناعتهم الراسخة، بأن الحلول السياسية، لن تجد لها طريقاً عند الفلسطينيين، ما لم تنجح الحوافز والامتيازات الاقتصادية في تهدئة خواطرهم.

وأخيراً، كثر الحديث أمريكياً، عن السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين، وتبلورت أفكار عدة في هذا المضمار، قوامها دفع عجلة الحياة، وبالتوازي مع ذلك، استمرار المطالبة بإطلاق مسار سياسي، دون إغفال تجديد شرعية السلطة الفلسطينية التي تآكلت بفعل غياب الانتخابات العامة، منذ أكثر من 17 عاماً.

فيما قدم الفلسطينيون تنازلات كبرى بغية الحصول على مكاسب سياسية، لكن مع تعثر الحصول عليها، وصعوبة تحقيقها دون حل عادل وشامل لقضيتهم، يسعون لتمرير هذه المكاسب، وإن بثوب اقتصادي.