تجاوز الليبيون انقساماتهم وتحركوا من كل اتجاه للمساعدة، بعد أسبوع على الفيضانات المدمّرة التي خلفت آلاف الضحايا في مدينة درنة على سواحل شرقي البلاد، فيما تواصل أجهزة الإسعاف الليبية بمساندة فرق عربية وأجنبية البحث عن آلاف المفقودين جراء الكارثة.

كل المشاهد في المدينة التي كانت تضم 100 ألف نسمة تخبر بأن كارثة مرّت من هنا: جسور مشطورة نصفين، سيارات منقلبة وشاحنات محطمة، أعمدة كهرباء وأشجار مقتَلعة من جذورها، وأغراض شخصيّة ممزوجة بالطين، وحتى إن لون مياه البحر بات بنيّاً. وتعلن فرق الإغاثة الليبية والأجنبية يومياً العثور على جثث، ولكن أطنان الوحول التي طمرت قسماً من المدينة تجعل البحث شاقاً.

ولكن الفيضانات القاتلة أثارت موجة من التضامن بين السكان تجاوزت الانقسامات السياسية والقبلية.

وقال مهند بنور (31 عاماً) ويقطن في تاجوراء «منذ حدوث هذه الفاجعة الأليمة انطلقت حملة تاجوراء، التي لم تحمل أي اسم، ولم تكن بدعم من أي مؤسسة عامة، بل نادت الناس بعضها بعضاً لجبر ما أصاب إخوانهم في المنطقة الشرقية».

حملات إغاثية

وفي مواجهة الكارثة تجاوز الليبيون انقساماتهم وتحركوا من كل الأطراف والاتجاهات للمساعدة: في كل مدينة، وفي المساجد وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ويتم تنظيم حملات لجمع تبرعات ومساعدات شتّى، ووصل مئات المتطوعين وعمال الإنقاذ والأطباء والممرضات إلى المنطقة المنكوبة.

ويشدّد العديد من المتطوعين على أهمية أن يستمر التعبير عن التضامن عقب الخروج من الصدمة التي سبّبتها الكارثة.

وبينما تنشط حملات التضامن الشعبية، يتراشق الخصوم السياسيون اتهامات بالتسبب في الكارثة.

وتعهد النائب العام الليبي الصديق الصور الذي زار درنة الجمعة الماضي بأن تتم «محاكمة من تثبت عليه التهم»، وبأنه «لن يكون هناك إفلات من العقاب».

نشاط مكثف

وتنشط ميدانياً منظمات المجتمع المدني. وقالت مديرة جمعية «محامون من أجل العدالة في ليبيا» إلهام سعودي، إن على مدى العقد الماضي «قامت النخب السياسية من كل الأطراف بإغلاق منظمات المجتمع المدني بشكل منهجي ومتعمد واضطهدت أعضاءها».

مطرقة وسندان

ووجد ليبيون جرفت الفيضانات منازلهم في درنة أنفسهم محاصرين بين مطرقة البقاء في المدينة مع نقص المياه العذبة وسندان الفرار منها عبر مناطق جرفت الفيضانات ألغاماً أرضية إليها.

وافترش حمد عوض شارعاً خالياً وبجانبه زجاجة ماء وأغطية سرير. وقال «أنا باقٍ في منطقتنا في محاولة لتنظيفها والتحقق من المفقودين... الحمد لله الذي رزقنا الصبر».