تحفل ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين بقصص مفعمة بالألم عند الحديث عن ذكرى النكبة، التي حلت بهم العام 1948، وما خلفته من نكبات عدة متلاحقة.

ولا يوجد بعد مرور 76 عاماً عليها ما يؤشر على انتهائها، لكن يقين هؤلاء اللاجئين بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها يبقى مصدر قوتهم، إذ يستلهمون منه الصبر، وإن قست عليهم الأيام والسنون، وأطالت عليهم غربتهم.

في الخامس عشر من مايو كل عام يردد من بقوا من جيل النكبة ما حدث في ذلك اليوم الأليم، وما واجهوه من مجازر وخوف وتشريد، وتالياً معاناة اللجوء، ليعاودوا بذلك تجديد آمالهم وتمسكهم بالعودة، حتى لو كان ذلك من خلال الأجيال الناشئة، التي لم تسمع بالنكبة، إلا من خلال روايات الآباء والأجداد.

هؤلاء «أخرجوا من ديارهم بغير حق» وفقدوا كل شيء.. أرضهم، بيوتهم، أشجارهم، ومدنهم وقراهم، لكنهم لم يفقدوا الأمل في العودة، بالرغم من قسوة الزمن، الذي أطال عليهم العودة المنتظرة.

جرح نازف

أمس، مرت الذكرى الـ76 لنكبة فلسطين، وما زال الجرح ينزف، فيما النكبات تتوالى والألم يزداد، فاللاجئون من «جيل النكبة» ما زالوا ينتظرون بفارغ الحزن والحسرة، العودة إلى هناك..

إلى حيفا ويافا وعكا، ويبدو هذا جلياً على وجوههم، وحتى في نبرة أصواتهم، وهم يتحدثون عن تفاصيل ما زالت راسخة في أذهانهم، ومحفورة في ذاكرتهم رغم تعاقب السنين، التي زادتهم إصراراً على حفظ الأمانة (المفاتيح الحديدية وكواشين الطابو) حتى يأتي يومها الموعود.

هي نكبة في ذكرى النكبة، فمشاهد القتل والتدمير والتشريد والنزوح تتعاظم اليوم في قطاع غزة، بفعل حرب وقودها الناس والحجارة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ إن خيام اللجوء انتصبت مجدداً على امتداد مساحة القطاع، فيما فرضت أجواء الرعب والجوع نفسها، وكأن غزة تعيش نكبتها من جديد.

في المخيمات الفلسطينية ثمة أحداث مضغوطة، كحال الأزقة التي لجأوا إليها، وذاكرة تبحث عن بصيص أمل، وقد شقتها الجراح النازفة إلى شطرين (قبل المخيم وما بعده) فلا تذكر النكبة الفلسطينية دون استذكار المخيمات.

كما أنه لا يمكن رؤية هذه الخيام المنتشرة في رفح وخان يونس ودير البلح، دون أن تذكر مشاهد التهجير يوم 15 مايو، المصحوبة بنوايا الشطب من التاريخ والاقتلاع من الجغرافيا.

ينسج نبهان حماد (87 عاماً) كيف هجر مع عائلته من قرية سلمة قضاء يافا، وكان عمره 11 عاماً، ويضيف: «هربنا من سلمة إلى اللد، ومنها إلى مدينة نابلس، قبل أن يستقر بنا المقام في مخيم الأمعري قرب رام الله، وما زلت أحمل الجراح في جسمي، التي أصبت بها في طريقنا إلى اللد، أما الجرح الذي في قلبي فلن يندمل حتى نعود».

وتعود رقية حرز الله بذكريات طفولتها في قرية يازور قرب يافا، ورغم صغر سنها آنذاك، إلا أنها تتذكر جيداً بيت أهلها وجيرانهم، ولا يزال صوت القذائف (يرِنّ) في أذنيها، كما تقول.

وتتابع: «عندما هاجمتنا القوات الإسرائيلية هربنا على غير هدى، ونسينا أخي الصغير (يوسف)، لكن مختار القرية ألحقه بنا، وشاهدنا بأعيننا مشاهد القتل وتدمير البيوت».

وتزخر ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين بذكريات اللجوء والتشريد، غير أن ذكرى النكبة هذا العام، والتي تتزامن مع حرب غزة، فتحت جرحاً غائراً، وسيظل حالهم كذلك، بانتظار تحقيق نبوءة العودة، التي يرونها حتمية.