دخلت الحرب في قطاع غزة، أمس، شهرها الثاني عشر، مع اقتراب عدد ضحاياها من عتبة الـ41 قتيلاً و95 ألف جريح، وآلاف لا يزالون تحت الأنقاض، ومئات الآلاف قيد النزوح المتكرر. كل ذلك ولا ضوء في نهاية النفق، ولا مؤشرات على تراجع حدة القصف والغارات الإسرائيلية القاتلة، أو احتمال التوصل إلى وقف هذه الحرب المدمرة، أو حتى مجرد هدنة، في ظل تمسك حكومة بنيامين نتانياهو بشروط غير قابلة للتحقق، وفق العديد من السياسيين والمحللين في إسرائيل نفسها.

وتعثّرت المحادثات للتوصل إلى هدنة، منذ أشهر، بسبب خلافات أبرزها محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر، ومسألة الانسحاب من غزة، وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن إطلاقهم مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين.

وتكرر واشنطن على لسان العديد من مسؤوليها أنها بصدد وضع اقتراح نهائي لإبرام صفقة، لكن هذا لم يحصل بعد. وقال وليام بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية رئيس وفد التفاوض الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة، أمس إن اقتراحاً أكثر تفصيلاً بخصوص الهدنة سيطرح في غضون أيام. وأضاف إنه يعمل جاهداً على «نصوص وصياغات مبتكرة» مع الدولتين الوسيطتين مصر وقطر للتوصل إلى وقف إطلاق نار، عن طريق إيجاد اقتراح يرضي الطرفين، حسب ما تقول وكالة رويترز. وقال إنه تم الاتفاق على 90 % من الفقرات، لكن العشرة بالمئة الأخيرة دائماً الأصعب. هيئة البث الإسرائيلية ذكرت أن البيت الأبيض «يؤخر تقديم الخطوط العريضة للاقتراح الجديد»، وأشارت إلى أن ثمة شعوراً «لدى جميع الأطراف بأن فرصة التوصل إلى اتفاق ضئيلة جداً».

أصوات متشائمة

في إسرائيل، ثمة أصوات إعلامية وسياسية عديدة متشائمة وتحمل نتانياهو مسؤولية تعطيل أي اتفاق في غزة، من أحل الحفاظ على ائتلافه الحاكم وتجنب المحاكمات القضائية. وقالت القناة الـ13 إن «التقديرات الإسرائيلية ترجح أنه لن تكون هناك صفقة». وأشارت إلى أن ثمة مناقشات «استراتيجية» عقدت في مكتب نتانياهو خلال الساعات الماضية وخلصت إلى أنه «من غير المتوقع التوصل إلى صفقة وأن احتمالاتها باتت ضعيفة للغاية، وإثر ذلك تستعد إسرائيل لمواصلة القتال في الشمال (لبنان) والجنوب (غزة والضفة)».

ونقلت القناة عن مصدر وصفته بالمطلع أنه «لا مفاوضات حالياً مع حركة حماس، هناك محادثات بين الوسطاء وواشنطن لطرح اقتراح تسوية وذلك غير جدي».

كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر إسرائيلية إبداءها تشاؤماً مفاده «أن الفهم السائد هو أن احتمالات التوصل إلى اتفاق أصبحت ضئيلة». وذكرت الصحيفة على لسان مسؤول أمني قوله: «إن انطباعاً خاطئاً قد نشأ لدى الجمهور (الإسرائيلي) بأنه لا يوجد اتفاق لأن إسرائيل تصر على بقاء الجيش الإسرائيلي في فيلادلفيا، إن هذا مجرد كذبة»، مضيفاً إنه «لا يوجد اتفاق لأن حماس تصرّ على إنهاء الحرب والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من غزة». لكن مصادر أخرى معنية بالمفاوضات قالت لـ«يديعوت» إن نتانياهو من خلال إصراره على البقاء في محور فيلادلفيا هو من فجّر بالنهاية فرص التوصل إلى اتفاق.

البقاء السياسي

المحلل في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، كذلك، فند مزاعم نتانياهو بأنه يريد عودة الأسرى الإسرائيليين في غزة، قائلاً إن حياة الأسرى الإسرائيليين في القطاع تعد أمراً ثانوياً بالنسبة له، وإن الاعتبار الرئيس بالنسبة لنتانياهو هو ضمان بقائه السياسي.

وبحسب هرئيل، فإن «تهديد شركاء نتانياهو، من أقصى اليمين المتطرف بالانسحاب من الائتلاف الحاكم في حال وافق على صفقة تتضمن إطلاق سراح جماعي للأسرى الفلسطينيين والانسحاب من فيلادلفيا ونتساريم، يعني سقوط الحكومة».

وأعرب هرئيل عن اعتقاده بأن مخطط نتانياهو غير المُعلن، يتضمن إبعاد وزير الحرب يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس قسم الأسرى في الجيش نيتسان ألون، عن كل ما يتصل بالحرب والمفاوضات، في وقت «يبدو أن إدارة بايدن غير قادرة على معرفة كيفية فرض صفقة على نتانياهو».

رئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك، من جانبه، قال إن إسرائيل لم تُحقق أي إنجاز في الحرب على غزة، ودعا لإسقاط نتانياهو، معتبراً أنه المسؤول الأول والأخير عن الفشل في إدارة الحرب. وأضاف إن نتانياهو يكذب في كل ما يتعلق بمحور فيلادلفيا، داعياً إلى مواصلة الاحتجاجات حتى «إسقاط حكومته غير الشرعية».

فهل تسقط هذه الحكومة؟ أم تبقى وتسقط فرص وقف الحرب؟ الاحتمال الثاني يبدو أكثر واقعية حتى هذه اللحظة.