في ظل استمرار التصعيد في غزة وانسداد الأفق في التوصل إلى اتفاق هدنة ينهي الحرب في القطاع، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تجنب مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحقه ووزير دفاعه، يوآف غالانت، عبر الطلب من النائبة العامة الإسرائيلية فتح تحقيق جنائي معه وغالانت، في وقت تدفق من سيل الإدانات الدولية، على الاستهداف الإسرائيلي لمدرسة للنازحين ومقتل موظفين أممين في غزة.

وطلب وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، بناء على تعليمات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، من النائبة العامة الإسرائيلية، جالي بهاراف ميارا، فتح تحقيق جنائي مع نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت فيما يتعلق بحرب غزة. وتأتي الخطوة في مسعى للالتفاف على طلب معلق من المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وفقاً لتقرير بثته قناة 12 الإسرائيلية.

وقالت القناة، إن نتنياهو يريد فتح تحقيق في الحرب الجارية وكيفية إدارة الحملة العسكرية في غزة، ثم إغلاقه، ومن ثم تقديم تحديث للمحكمة الجنائية الدولية مفاده أنه جرى التحقيق في التهم من جانب إسرائيل، وبالتالي لا يتطلب الأمر تدخل المحكمة الدولية. وأفاد التقرير، بأن بهاراف ميارا رفضت الطلب على أساس أنه خدعة صارخة ولن يرضي المحكمة الجنائية الدولية.

وأوضح التقرير، أن بهاراف ميارا أشارت أيضاً إلى أنها أوضحت بالفعل علناً أن تشكيل لجنة تحقيق حكومية أعلى مستوى تحقيق في إسرائيل هو الخيار الوحيد الكافي، وفقاً لما ذكرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل. وذكر التقرير الإخباري غير الموثق للقناة 12 الإسرائيلية، أن نتنياهو يخشى أن تكون لجنة التحقيق الحكومية مجرد خدعة قانونية لمحاولة عزله من منصبه.

وفي تطور لافت، قدم يوسى سارئيل، قائد وحدة الاستخبارات 8200 في الجيش الإسرائيلي، أمس، استقالته من منصبه لرئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي في أعقاب إعلان مسؤوليته عن أحداث 7 أكتوبر.

كما طرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء هرتسي هاليفي، نفسه، أواخر ديسمبر المقبل موعداً محتملاً لاستقالته من منصبه، وفق ما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية. ووفق تقديرات الجيش الإسرائيلي، ستنتهي التحقيقات في أحداث 7 أكتوبر في جميع الفروع والتشكيلات، وسيكون هاليفي قادراً على التوقيع على التحقيقات بصفته رئيسا للأركان وتقديمها للرأي العام.

سيل إدانات

على صعيد آخر، نددت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بمقتل موظفين من الأمم المتحدة في ضربة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في قطاع غزة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: ما يحدث في غزة غير مقبول على الإطلاق.. لقد تعرضت مدرسة تؤوي 12 ألف شخص لقصف جوي إسرائيلي مرة أخرى.. في عداد القتلى 6 من زملائنا في وكالة الأونروا.. هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي يجب أن تتوقف الآن. بدوره، وصف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الحادثة بأنها مروعة، مؤكداً أن تجاهل المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، لاسيما حماية المدنيين، لا يمكن ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يقبله.

على صعيد متصل، دعا مجلس التعاون الخليجي، المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم لإيقاف الانتهاكات المستمرة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني. وأعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، في بيان، عن إدانته واستنكاره لقصف قوات الاحتلال الإسرائيلية لمدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم النصيرات.

وفي برلين، اعتبرت ألمانيا أن مقتل 6 من موظفي الأمم المتحدة أمر غير مقبول إطلاقاً. وقالت وزارة الخارجية، إن على العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية ألا يكونوا إطلاقاً ضحايا للصواريخ، ومن واجب إسرائيل حماية موظفي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة.

تبرير أمريكي

كما دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى حماية عمال الإغاثة، مضيفاً: علينا أن نرى المواقع الإنسانية محمية.. هذا أمر نواصل طرحه مع إسرائيل. ولفت بلينكن إلى أن حماس تتحمل جزءاً من المسؤولية، قائلاً: نواصل رؤية حماس تختبئ في، أو تسيطر على، أو تستخدم هذه المواقع التي تشن منها عملياتها.

وكشف بلينكن عن أن بلاده ستواصل الضغط على إسرائيل لبذل مزيد من الجهود لتفادي المناطق الإنسانية في قطاع غزة. وأضاف: نحن بحاجة إلى رؤية المواقع الإنسانية محمية، هذا شيء نواصل مناقشته مع إسرائيل.

كما استنكرت المملكة العربية السعودية، استهداف القوات الإسرائيلية لمدرسة النازحين. وفيما أعربت الخارجية السعودية، عن إدانة واستنكار المملكة بأشد العبارات للاستهداف، شددت على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتوفير الحماية للمدنيين العزل، ووضع حد للكارثة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأعراف الدولية.

انتهاك صارخ

إلى ذلك، استنكرت مصر استمرار إسرائيل في استهداف وقصف مدارس ومنشآت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة، مشددة على أن استمرار استهداف المنشآت والمنظمات الأممية والدولية دون رادع أو محاسبة يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وأكدت مصر أن ما يواجهه الأبرياء في الأراضي الفلسطينية من جرائم وانتهاكات يتعين إنهاؤه بصورة فورية، والتعامل مع جذوره ومسبباته.

وأدانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، بأشد العبارات القصف الإسرائيلي، مشيرة إلى أن استمرار إسرائيل في انتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ما هو إلا نتيجة لغياب موقف دولي فاعل وحازم ينهي هذا العدوان المتواصل على القطاع، وما ينتجه من قتل ودمار وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

جهود

سياسياً، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استمرار جهود بلاده، بالتعاون والشراكة مع قطر والولايات المتحدة، لتعزيز فرص التهدئة من خلال التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بشكل فوري بقطاع غزة، بما يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، وإيقاف التصعيد الإقليمي.

حافة هاوية

إلى ذلك، قالت مديرة برنامج الأغذية العالمي، إن غارة جوية إسرائيلية الشهر الماضي، دمرت الطابق العلوي من بيت ضيافة في غزة حيث كان يقيم موظفو البرنامج، ووصفت الوضع بأنه خطير للغاية لعمال الإغاثة الذين يحاولون إطعام السكان الفلسطينيين. وقالت مديرة البرنامج، سيندي ماكين: كان الأمر خطيراً على الدوام وأصبح غاية في الخطورة الآن.

وقالت ماكين إنها تبعث برسالة بسيطة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مفادها: أوقفوا إطلاق النار، من فضلكم.. أوقفوا إطلاق النار! توقفوا! نحن بحاجة إلى إطعام هؤلاء الناس.. الأمر لا يتعلق فقط بالطعام..

بل يتعلق أيضاً بالمياه والصرف الصحي، نحن على حافة الهاوية فيما يتعلق بما إذا كنا سنبقى هناك أم لا.. أريد البقاء هناك.. أنا لا أقترح أن ننسحب.. لكن يتعين علي أن أتنبه لما أطلب من موظفي أن يفعلوه.

تدمير اقتصاد

في السياق، دمرت الحرب التي تشنها إسرائيل اقتصاد غزة وقلصته إلى أقل من سدس مستواه في العام 2022 على وقع تراجع مثير للقلق في الضفة الغربية. وذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أمس، أنه في غزة توقفت عمليات الإنتاج أو دمرت وفقدت مصادر الدخل وتفاقم الفقر وانتشر وسويت أحياء بكاملها بالأرض ودمرت مجتمعات ومدن.

وقال مسؤول التنسيق والمساعدة للشعب الفلسطيني في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية معتصم الأقرع، الذي شارك في إعداد التقرير خلال مؤتمر صحافي: لن نعلم حجم عمليات التدمير قبل أن تتوقف، لكن المعطيات التي لدينا راهناً تفيد بأنها تقدر بعشرات المليارات وربما أكثر.

وأضاف أن الوصول إلى مستوى ما قبل أكتوبر 2023 يتطلب عشرات الأعوام، معتبراً أن على المجتمع الدولي المساعدة في تحقيق تنمية مستدامة في غزة.