لم يرتبط مصير الشرق الأوسط مرة بحسم مصير رجل كما حصل عقب الغارة الزلزالية، التي شنتها إسرائيل، على منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تبين أنها أسفرت عن اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ما أثار تساؤلات ومخاوف كبيرة حول إمكان أن تكون إسرائيل دفعت بالأمور إلى متاهة تفجير ضخم، لن تبقى رقعته محددة بلبنان، بل ربما يتجاوزه إلى المنطقة، علماً بأن حجم الغارة الإسرائيلية كان غير مسبوق، لجهة استعمال قنابل خارقة للتحصينات، زِنة القنبلة 2000 رطل، الأمر الذي أحدث زلزالاً أدى إلى تسوية 6 مبانٍ بالأرض.
ولعل الحشود الإسرائيلية على الحدود مع لبنان، والتي تزايدت بقوة في الساعات الأخيرة، باستقدام لواءين إضافيين إلى الأولوية الموجودة هناك، لم تكن وحدها كافية لرسم معالم اندفاع إسرائيل نحو إحداث التغيير الاستراتيجي في الشرق الأوسط، كما سمته، فقامت بضربة هي، وفق تأكيد مصادر سياسية لـ«البيان»، الأخطر إطلاقاً، وبهدف مزدوج: اغتيال نصرالله بقرار متخذ سلفاً، وكان ينتظر اللحظة الاستخباراتية القاتلة، وعدم التردد عن ضرب عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، مخلفاً وراءه أحياء مدمرة، ومباني حُولت لرماد، فيما رائحة البارود الخانقة في كل مكان، وذكريات الضحايا عالقة تحت الركام.
وعليه فإن ثمة إجماعاً على أن ما قبل ضربة الضاحية لن يكون مثله بعدها، لا سيما بعد اغتيال أكبر القادة في حدث مزلزل سيشكل نقطة فاصلة بين حقبة وأخرى، لبنانياً وإقليمياً، مع ما يعنيه الأمر من كون لبنان دخل مرحلة جديدة، وخطيرة حربياً، انهارت فيها كل قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء، إذ لفّت الغارات والدخان والنار والدماء أراضيه، من الضاحية الجنوبية إلى الجنوب، وصولاً إلى البقاع، وخرجت اللعبة، التي بدأت في 8 أكتوبر من العام الماضي، وحملت اسم المساندة عن السيطرة، وتحولت حرباً شاملة ومخيفة، فكيف ستكون الصورة في الحزب وفي الداخل وفي الجوار بعد طي صفحة نصرالله؟ وهل الاغتيال بداية لموجة تصعيد لن تنتهي، أو بداية لتسوية؟
وفي الانتظار، وبعد ليلة جنونية من القصف الهستيري، والغارات التي لم تهدأ طوال الليل وحتى ساعات الصباح الأولى، واصلت آلة القتل الإسرائيلية، استهداف المناطق الجنوبية والبقاعية، وسط موجة نزوح كبيرة إلى مناطق في عمق البلاد، وعلى وقع البيانات المتتالية الصادرة من إسرائيل بشأن مهاجمة الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن اغتيال عضو المجلس المركزي لحزب الله، نبيل قاووق، ومسؤول الاستخبارات فيه، حسن خليل ياسين.
استنساخ تجربة
وتزامناً مع دخول العملية التي سمتها الحكومة الإسرائيلية سهام الشمال يومها السادس على لبنان، وأدت حتى اللحظة إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى ونزوح الآلاف إلى مناطق في عمق البلاد، فإن المشهد الحربي أسفر عن لبنان منكوب مجدداً بواقع دمار ودماء وتهجير في معظم مناطق الجنوب والبقاع الشمالي، وسط كابوس استنساخ تجربة غزة. أما على المقلب الآخر من الصورة فكلام عن أن إسرائيل أعلنتها حرباً من دون ضوابط، ومن دون هوادة، في ظل معادلة واضحة المعالم: إما أن يوقف حزب الله ضرب إسرائيل، وإما ستستمر إسرائيل على هذه الوتيرة من القصف، وذلك وسط توصيف للحرب الدائرة بأنها مفتوحة أو متدرجة، والتي يمكن أن يكون لها أشكال متعددة، بدءاً من توسيع الضغط الكبير لتحقيق حزام الـ10 كلم، أو ربما أكثر من ذلك. كما أن ثمة كلاماً عن مشروع إسرائيلي يقضي بتحويل لبنان إلى جبهة رئيسة، بدلاً من اعتباره جبهة إسناد.
ساعات حاسمة
ووسط السباق المحتدم بين العمليات العسكرية والتحركات الدبلوماسية، حيث لم تعد لغة النار وحدها في الميدان، إذ ثمة جهود ديبلوماسية تبذل، إقليمياً ودولياً، سعياً وراء الوصول إلى صيغة لخفض التصعيد، فإن ثمة إجماعاً على أن لبنان في مسار يشبه إلى حد بعيد مسارات الحرب على غزة، وعلى أن ما يحصل هو اجتياح جوي تدميري، غير مسبوق منذ حرب يوليو 2006، لمناطق آهلة، جنوباً وبقاعاً، يضرب شريط النار على امتداد القرى، في اختبار لتنفيذ الاجتياح البري، وفق سيناريو معد لتهجير سكان الجنوب، وعودة المستوطنين إلى الشمال، كما أن ثمة كلاماً عن ساعات حاسمة قد تفصل لبنان عن الحرب الواسعة، وإن كان بات أصلاً في قلب معركة بنتها إسرائيل على مراحل، إذ إن الاجتياح الجوي الإسرائيلي للبنان لا يعمل على روزنامة الأمم، ويستمر في تنفيذ غارات بلا هوادة، من بنت جبيل إلى جبيل، ويحرق قرى، جبلاً وساحلاً، ويترك بينها سيلان دم ونزوحاً.