رغم قسوتها، لم تخلُ جائحة «كورونا» من إيجابيات وفرص للتغيير بمنظومة التعليم في عدد من الدول، التي نجحت بالفعل في طرح حلول لأزمة التعليم، التي استعصت على الحل، بل اقتربت من الاستحالة في السابق، على غرار التعليم عن بعد والتعليم الهجين، اللذين أحرزت فيهما العديد من الدول نجاحات كبيرة، إلّا أنّ ثلث بلدان العالم عجزت عن تطبيق ذلك جراء أزمة الفوارق التعليمية في غياب عدالة رقمية، وضعف البنية التحتية الرقمية، وعدم قدرة الدول على اقتناء الأجهزة التعليمية لمباشرة التلاميذ التعليم عن بعد، الأمر الذي حدا بالكثير من المنظمات العالمية إلى إطلاق أجراس الإنذار من مغبة كارثة تربوية تمتد لأجيال، نتيجة ما تسميه الخلل في البناء والنسق الأسري في معظم المجتمعات.

كحال الملايين من الأطفال حول العالم، لم تتمكّن الطفلة السورية اللاجئة حنان والتي لا يتعدى عمرها 10 سنوات، من مواصلة تعليمها بسبب جائحة كورونا، وتأثرت قدرتها في تطوير مهارات القراءة والكتابة، في ظل عدم توفّر الأجهزة الإلكترونية في المنزل والتي من شأنها إعانتها على التعليم عن بعد، فضلاً عن عدم تحفيز عائلتها، وهي من العوامل التي أجبرت حنان على الالتحاق بأختها في مزارع الغور الشمالي جنوبي الأردن، للعمل في جمع محاصيل الطماطم.

وتقول حنان: «حلمي أن أصبح طبيبة، وأن تتحسن أوضاعنا، وينتهي هذا الوباء ونعود إلى المدارس، لكن بدأت أفقد الأمل في ظل إغلاق المدارس وارتفاع تكلفة الأجهزة الرقمية».

وحذّرت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بأن نسبة الأطفال الذين لم يستوفوا الحد الأدنى من مهارات القراءة ارتفعت 20 بالمئة في عام 2020 بسبب الإغلاقات التي فرضتها جائحة كوفيد 19.

وجاء في تقرير للمنظمة أن «أكثر من 100 مليون طفل لن يستوفوا الحد الأدنى من مهارات القراءة بسبب الإغلاقات التي فرضتها جائحة كوفيد 19».

في هذا الشأن يؤكّد مختصون لـ«البيان»، أنّ جائحة كورونا تسبّبت في تعميق أزمة التعلم حول العالم، بما يؤدي إلى رفع نسبة الأطفال في سن الدراسة الابتدائية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ممن يعانون فقر التعلم من 53 إلى 63 في المئة، فضلاً عن تعريض هذا الجيل من الطلاب لخطر فقدان 10 تريليونات دولار من دخلهم المستقبلي على مدار متوسط العمر، وهو مبلغ يساوي نحو 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.

في هذا السياق، يشير اللاجئ السوري، أحمد الحريري، والذي يسكن في مخيم الزعتري في الأردن، ولديه ستة أطفال في عمر الدراسة، إلى أنّ أغلب المراكز التعليمية ومراكز التربية الخاصة في مخيمات اللجوء مغلقة بسبب الوباء، لافتاً إلى أنّ وضعه الاقتصادي الصعب يمنعه من توفير أجهزة رقمية للأطفال وخدمة الانترنت بسبب تكلفتها الباهظة.

ويضيف «جائجة كورونا أضاعت سنتين دراسيتين على أطفالي، وحتى لو عادت الأمور إلى طبيعتها فإنّ أطفالي سيجدون صعوبة في العودة إلى الدراسة لأنهم تعودوا على هذا الوضع ويبحثون عن وسيلة لمساعدتي من دون التفكير في مستقبلهم».

تحديات هائلة

ويوضح مختصون لـ«البيان»، أنّ العالم كان يعاني قبل الجائحة، تحديات هائلة في الوفاء بوعد إتاحة التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان. وعلى الرغم من التعميم شبه الكامل للالتحاق بالتعليم في الصفوف المبكرة في أغلب البلدان، فقد كان هناك عدد كبير من الأطفال ما يقدر بأكثر من 250 مليون طفل، ونحو 800 مليون بالغ خارج المدارس، حتى أولئك الملتحقين بالمدارس. ويقدّر المختصون، أن قرابة 387 مليون طفل، أو 56 في المئة ممن هم في سن المدرسة الابتدائية على مستوى العالم، يفتقرون إلى مهارات القراءة الأساسية.

وذكرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، أنّ أطفال المدارس الصغار ومن ينتمون لأكثر الأسر فقراً أو يعيشون في مناطق ريفية، هم الأكثر احتمالاً لفقدان التعليم الرقمي، إذ لا تصل تغطية الإنترنت إلا إلى 50 في المئة من أطفال المدارس على الصعيد العالمي، ما يعكس حالة عدم المساواة الاجتماعية.

وتؤكّد شهادات الاعتراف المُتعدِّدة الصادرة عن الخبراء، بأن رسم حلول تربوية فعّالة في وجه هذه الأزمة يبدو صعباً، لاسيّما في بلدان العالم التي تفتقد إلى التكنولوجيات وتعتمد على أسس تقليدية قديمة في التعليم ونقل المعرفة، مشيرة إلى أن الوباء ضرب التعليم في الصميم.

وتقول ممثلة «يونيسيف» في الأردن، تانيا شابويزات، لـ«البيان»، إنه كلما طال أمد أزمة وباء «كوفيد 19»، كان أثرها أعمق في تعليم الأطفال، إذ تسببت الجائحة في وقف تعليم 1.6 مليار طفل في العالم العام الماضي.

وفي الأردن، خسر الأطفال عاماً كاملاً، الأمر الذي سيعرضهم لخطر فقدان قدر كبير من التعلم، وسيكون له عواقب طويلة الأمد على الأطفال والمجتمعات المحلية والبلاد بأكملها، حيث لم يخسر الأطفال عاماً من تعليمهم فقط، بل ربما تراجعوا وخسروا تحصيلهم التعليمي الذي حققوه على مدار السنوات الدراسية السابقة، لذلك تسعى «يونيسيف» إلى تقديم الدعم اللازم لوزارة التربية والتعليم بهدف التسريع في استعادة التعليم للأطفال للحيلولة دون ضياع جيل كامل من المتعلمين، كما تدعو «يونيسيف» إلى منح الأولوية لإعادة الفتح الآمن للمدارس حالما تسمح الحالة الصحية العامة بذلك.

وتضيف ممثلة «يونيسيف» في الأردن: «لقد كان أثر جائحة «كوفيد 19» في الفتيات والأطفال ذوي الإعاقة والأطفال اللاجئين والفقراء، بمن في ذلك أولئك الذين لديهم إمكانات محدودة في الحصول على التكنولوجيا والوصول إلى الإنترنت، أكثر من غيرهم، فضلاً عن أنّه ليس من المرجح أن يكون لدى الأطفال، الذين لم يتمكنوا من القراءة أو كانوا قراء ناشئين قبل إغلاق المدارس، القدرة على المشاركة بشكل فعال والاستفادة من التعلم عن بعد، بل سيكونون بحاجة حقيقية إلى دعم كبير للحاق بالركب».

ويرى عدد من المختصين، أنه من الضروري معالجة الفجوات الرقمية وثغرات الاتصال التي سلّطت هذه الأزمة الضوء عليها، والعمل من أجل حل هذه القضايا وغيرها من القضايا الأخرى وزيادة الميزانيات المخصّصة للتعليم أو عدم المساس بها على الأقل.

وأوضحت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا الكلش، لـ «البيان»، أن عدداً كبيراً من الأطفال تحولوا بعد إغلاق المدارس للعمل، إذ تعاني عائلاتهم فقراً شديداً جراء الأزمة الاقتصادية، فتخلت عن حقهم بالتعلم، لتلبية احتياجاتها الملحة جداً.

غني عن القول أن التدابير التي تُتخذ اليوم للحد من خسائر التعلم الكبيرة والمتزايدة، وجهود التعافي وإعادة البناء بشكل أقوى، تمثل أمراً مطلوباً وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وذلك لتسريع اكتساب المهارات الأساسية ومهارات القرن الحادي والعشرين بشكل مطّرد لكل طفل.

وهناك فرصة سانحة للبناء على الدروس المستفادة من جائحة كورونا وإعادة بناء نظام مُنصف، بتطبيق مبدأ (العدالة والمساواة) في تلقي الخدمات التعليمية، وفرص الوصول للاتصالات والإنترنت، إذ توفر لجميع المدارس والأسر الوسائل التكنولوجية لدعم التعلم عن بعد ما يعد أمراً فعالاً.



30 %

تقدّر الأمم المتحدة بنحو 1.5 مليار عدد الأطفال الذين تأثروا في أنحاء العالم بإغلاق المدارس أو تدابير العزل. ولم تتح الفرصة لجميعهم لأجل الوصول إلى التعليم عن بعد بسبب التفاوتات الاجتماعية والتفاوتات بين القارات والدول. غير أن نحو 30 بالمئة من أطفال المدارس في العالم لم يستعملوا التعليم الهجين.

والسبب إما أنه لا تتوفر لديهم التقنية اللازمة للتعلم عن بعد في منازلهم أو لا تغطيهم سياسات التعلم عن بعد.

جاء في تقرير للمنظمة أن «أكثر من 100 مليون طفل لن يستوفوا الحد الأدنى من مهارات القراءة بسبب الإغلاقات التي فرضتها جائحة كوفيد 19».كذلك يتوقّع التقرير «بلوغ معدلات خسائر التعلم أعلى مستوياتها في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وفي آسيا الوسطى والجنوبية».

50 %

اعتبرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» يشكل تهديداً خطيراً للتعليم بالنسبة للاجئين. وأشارت إلى أن نصف الأطفال اللاجئين في العالم لا يذهبون للمدارس بسبب هذا الوباء. وحذرت المفوضية من تفاقم الوضع ودعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية حتى لا يتعرض ملايين الأطفال اللاجئين للخطر.

وحذرت المفوضية من أنه إذا لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة، فمن المحتمل أن يتعرض ملايين الأطفال اللاجئين للخطر.

وبحسب تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن العالم يواجه «كارثة تمتد لأجيال» بسبب إغلاق المدارس وسط تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.، قائلاً «الآن نواجه كارثة تمتد لأجيال يمكن أن تهدر إمكانيات بشرية لا توصف، وتقوض عقوداً من التقدم، وتزيد التمييز القائم».

65 %

كشف تقرير لمنظمة اليونيسكو أن 65 في المئة من حكومات البلدان منخفضة الدخل خفضت التمويل المخصص للتعليم فيها، وذلك مقارنة بـ35 في المئة من حكومات البلدان ذات الدخل المرتفع.

ويحذر التقرير من أن الوضع قد يكون أسوأ بكثير، لأن الأطفال لا يتمكنون من التعلم عن بعد، من خلال تلك المنصات، بسبب العوامل المختلفة في المنزل، كالضغط للقيام بالأعمال المنزلية، والإجبار على العمل، وبيئة التعلم السيئة، ونقص الدعم لاستخدام المناهج عبر الإنترنت أو البث.

وعلى الصعيد العالمي، حُرم 67 مليون تلميذ من الوصول إلى التعليم الافتراضي في شرق أفريقيا وجنوبها، و54 مليوناً في غرب أفريقيا ووسطها، و80 مليوناً في المحيط الهادئ وشرق آسيا، و37 مليوناً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و147 مليوناً في جنوب آسيا، و25 مليوناً في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، و13 مليوناً في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. ويقول التقرير: إن تلاميذ المدارس من أفقر الأسر، وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية هم الأكثر عرضة للتغيب، في أثناء الإغلاق إلى حد بعيد.

72

قال البنك الدولي، إن إغلاق المدارس من جراء جائحة «كورونا» (كوفيد 19)، يحمل في طياته مخاطر دفع 72 مليون طفلٍ آخر في سن المدرسة الابتدائية، إلى فقر التعلم، ويعني أنهم غير قادرين على قراءة نص بسيط وفهمه، وهم في سن العاشرة.

من جانبها، قالت منظمة «سايف ذي تشيلدرن»، إن الأطفال في العالم، فوتوا أكثر من ثلث أيام التعليم المئة والتسعين في السنة الدراسية العادية، بسبب جائحة كوفيد 19. وحثت المنظمة، ومقرها في لندن، الحكومات والأطراف المانحة، التحرك سريعاً للحؤول دون حدوث «تبعات لا يمكن الرجوع عنها»، على حياة ملايين الأطفال، قد لا يعودون أبداً إلى المدرسة.

وحللت المنظمة بيانات جمعتها خصوصاً منظمتا اليونيسكو ويونيسيف. وأظهرت الأرقام أن الأطفال خسروا 74 يوماً من التعليم بشكل وسطي، بسبب إغلاق المدارس جراء الأزمة الصحية العالمية، وعدم حصولهم على التعليم عن بعد.

 

اقرأ ايضاً

الجائحة تخطف التعليم من أطفال سوريا

مسؤول في «اليونسكو» لـ «البيان» :التحصيل انخفض لنسبة العُشر

مليونا تلميذ خارج المدارس في اليمن