لم يكن ما كشفته صحيفة تايمز البريطانية عن أن الاتحاد الأوروبي يعكف على وضع خطة سرية لـ«حرب الغاز» مع روسيا، يشكل مفاجأة للعارفين بتجاذبات العلاقات الروسية الأوروبية، والتي بات «الوقود الأزرق» إحدى ساحاتها التي تسخن كلما اقترب فصل الشتاء وازداد الطلب الأوروبي على الغاز الروسي.

ووفقاً للصحيفة البريطانية، تقوم الخطة على التصدي لجهود روسيا في الحد من الإمدادات وزيادة الأسعار، عبر توحيد القوة الشرائية لدول الاتحاد الأوروبي وتأمين احتياط استراتيجي موحّد لها من الغاز، كي لا تبقى القارة الأوروبية أسيرة التقلبات في أسواق الطاقة الدولية، ورغبة الدول المنتجة للغاز في زيادة أرباحها.

وعلى الرغم من أن الفكرة التي اقترحتها إسبانيا لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بعد في شكل وثيقة دبلوماسية رسمية، إلا أنه من المتوقع مناقشة تفاصيلها في قمة الاتحاد الأوروبي في أكتوبر المقبل.

وليس من المستبعد أن تكتسب هذه «الخطة السرية» بحلول هذا الوقت ترجمة فعلية، في ضوء النقص في الوقود الأزرق في جميع أنحاء أوروبا. ففي المملكة المتحدة، تم إغلاق المؤسسات الكيميائية والطاقة التي لا تستطيع شراء المواد الخام بأسعار متضخمة، كما تهدد ألمانيا بوقف توريد الغاز إلى المصانع متعددة القطاعات بشكل شبه كامل، فيما يتعين على السكان الكرواتيين استخدام الحطب لتدفئة منازلهم.

ارتفاع حاد

الخبير الروسي غيورغي سميرنوف يعزو أسباب ارتفاع الغاز بشكل حاد إلى تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا، وبدء الاقتصادات الآسيوية الرئيسة (الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية) بشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، مضيفاً إن إرسال ناقلات الغاز إلى أوروبا يستغرق وقتاً طويلاً، بينما الأسواق الآسيوية أكثر ربحية في الوقت الحالي، إلى جانب محدودية سعة محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا.

ويرى الخبير في العلاقات الروسية الألمانية ألكسندر راهر، أن استكمال خط أنابيب غاز السيل الشمالي، شكل نجاحاً لروسيا على الجبهة السياسية في ألمانيا، إذ فشل حزب الخضر الألماني - المعارض الرئيس للشراكة مع روسيا في قطاع الطاقة - في زيادة شعبيته بشكل كبير عشية انتخابات بوندستاغ، مستبعداً أن يحصل الحزب على مناصب مهيمنة في الحكومة الألمانية الجديدة بعد خروج المستشارة أنغيلا ميركل من المشهد.

تسييس

ويدعم راهر موقفه، بتمكن موسكو وبرلين من إزالة جميع الأخطار الأساسية حول السيل الشمالي 2، ولم يتبقَ سوى انتظار اعتماد خط الأنابيب، مؤكداً أن الارتفاع القياسي في أسعار «الوقود الأزرق» في أوروبا جاء نتيجة عوامل موضوعية، وأن مخاطبة مجموعة من 40 من أعضاء البرلمان الأوروبي من بولندا ودول البلطيق، المفوضية الأوروبية بطلب رسمي لإجراء تحقيق لمكافحة الاحتكار ضد شركة غاز بروم بسبب ارتفاع أسعار الغاز، هو تسييس للقضية.

ويشير راهر إلى أسباب غير سياسية تسببت في أزمة «الغاز» في أوروبا، كتوجّه البلدان المتقدمة لزيادة الطلب على الغاز، الذي يعد أكثر صداقة للبيئة، وهو ما دفع بألمانيا للتخلي عن محطات الطاقة النووية.

ومع ذلك، يختم الخبير الألماني بأنه واثق بإطلاق السيل الشمالي 2، حتى لو انضم ممثلو الأحزاب الألمانية الرافضة للمشروع إلى الحكومة.