في خضم الأزمة الأوكرانية، تلوح واشنطن باستخدام مشروع «نورد ستريم 2» الهادف لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا من دون المرور بالأراضي الأوكرانية، في لائحة عقوبات محتملة على موسكو، إذ إن هذا المشروع يسمح لها بضخ ما يُقدر بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا كل عام، ما يضاعف قدرتها الحالية ويزيد من هيمنتها الإقليمية على الطاقة.
ولعل الأمر الأكثر أهمية في ضوء الأزمة الدبلوماسية الحالية، التي شهدت تجمع أكثر من 100 ألف جندي روسي ومدرعات على طول الحدود الأوكرانية في جهوزية لعمل عسكري على ما يتوقع الغرب، أن خطي الأنابيب التوأمين «نورد ستريم» يسمحان لروسيا بإرسال الغاز إلى الغرب بوسائل أخرى غير تلك المباشرة عبر أراضي جارتها، وهي وسائل اعتمدت عليها روسيا من قبل وتلقت كييف في مقابلها رسوم عبور مربحة. فما هو «نورد ستريم 2» الذي قد يتحول من سلاح بيد روسيا إلى سلاح في وجهها؟
نشر موقع «إندبندنت عربية» تقريراً جاء فيه أن خط «نورد ستريم 2» يبلغ طوله 745 ميلاً (حوالي 1200 كيلومتر)، ويمتد بين أوست لوغا بالقرب من حدود روسيا الغربية مع إستونيا، وغرايفسفالد في شمال شرقي ألمانيا، ويهدف إلى إيصال الغاز الطبيعي إلى وسط أوروبا عبر بحر البلطيق.
استكمل بناء المشروع في سبتمبر 2021 بتكلفة 11.13 مليار دولار، لكنه لم يحصل بعد على الموافقة التنظيمية الأوروبية اللازمة للسماح للجهة المشغلة للمشروع، شركة الغاز الروسية العملاقة المملوكة للدولة «غازبروم»، بتشغيله. أما خط الأنابيب «نورد ستريم» الأصلي فقد استكمل بناؤه في 2012، وهو يسير بالتوازي مع نظيره الجديد وينتهي على نحو مماثل في غرايفسفالد، لكنه ينطلق من منطقة أخرى، أي من فيبورغ الواقعة على الساحل الشمالي لخليج فنلندا.
وتقول «إندبندنت عربية» إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ضابط سابق في المخابرات السوفييتية (كي جي بي)، استاء من استقلال أوكرانيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989، لا سيما رغبتها في تأمين قدر أعظم من الحماية العسكرية بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
تحذير سابق
وسبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن حذر من أن مشروع «نورد ستريم» يمثل «سلاحاً جيوسياسياً خطيراً»، وهو ليس وحده بين زعماء العالم الذي يخشى أن تستخدم روسيا المشروع لممارسة نفوذها السياسي على الاتحاد الأوروبي من خلال التهديد بحجب الغاز عنه في الشتاء إذا لم تُلبَّ نزواتها السياسية.
ألمانيا، في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، رفضت لفترة طويلة الأخذ بالاعتبار هذه المخاوف من الابتزاز باعتبارها هستيرية، وأصرت على أن المشروع مشروع تجاري بحت من شأنه أن يمكنها من تدفئة 26 مليون منزل ومساعدة انتقالها بعيداً عن الطاقة النووية نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وفي حين أن المملكة المتحدة لا تتلقى سوى ثلاثة في المئة من وارداتها من الغاز من روسيا، تتلقى ألمانيا 40 في المئة، وفنلندا 100 في المئة، ما يؤكد قوة الأوراق التي تمسك بها موسكو، مع تحذير مصرف الاستثمار الأمريكي «ستايفل» هذا الأسبوع من أن أسعار الغاز يمكن أن ترتفع أربعة أضعاف إذا نشبت الحرب، وفقاً لـ«إندبندنت عربية».
تغيير الاتجاه
وأشار المستشار الألماني أولاف شولتز، خليفة ميركل، إلى تغيير في الاتجاه في ما يتصل بـ«نورد ستريم 2» عندما قال هذا الأسبوع: «سيكون كل شيء قيد المناقشة إذا حصل تدخل عسكري ضد أوكرانيا». وقالت وزيرة خارجيته، أنالينا بايربوك، للبرلمان الألماني، إن الحلفاء الغربيين «يعملون على حزمة قوية من العقوبات»، تشمل «نورد ستريم»، وستُطبَّق في حال فشل المحادثات الدبلوماسية، فيما غردت السفيرة الألمانية إلى واشنطن، إميلي هابر: «إن الخيارات كلها ستكون موضع البحث، بما في ذلك نورد ستريم 2 إذا انتهكت روسيا سيادة أوكرانيا».
ولطالما عارضت الولايات المتحدة خطي الأنابيب، حتى أن دونالد ترامب هاجمهما في قمة مشوبة بالانقسامات لحلف الناتو استضافتها بروكسل في يوليو 2018. وذهب الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إلى أبعد من ذلك، إذ هدد موسكو بعرقلة الموافقة التنظيمية على «نورد ستريم 2» حين قال: «أريد أن أكون واضحاً جداً: إذا غزت روسيا أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، لن يتقدم نورد ستريم إلى الأمام.. سنعمل مع ألمانيا كي لا يمضي العمل به قدماً».
ويرى مراقبون في الغرب أن لدى روسيا خيارات أخرى محتملة لتوريد الغاز إذا عُرقِل «نورد ستريم 2»، بما في ذلك استلام شحنات من النرويج وهولندا وبريطانيا والدنمارك، لذلك من الناحية النظرية، هي في غنى عن البقاء رهينة هذا الخط، الذي إذا أوقف سيكون خبراً سعيداً لكييف.