مضت شهور على الحرب في أوكرانيا وما زالت روسيا واقفة على قدميها، بل ربما أقوى من السابق، وذلك في نكسة لفلسفة العقوبات الغربية التي لطالما استندت إلى هذا السلاح عقوداً طويلة كأداة لكسر إرادة الخصوم. لكن التداعيات تبدو معكوسة حتى الآن، ليس من جهة الصعوبات المتراكمة على الأسر في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وعموم معسكر حلف شمال الأطلسي وحلفائه، إنما المفاجأة أن روسيا بدلاً من إحصاء الخسائر جراء العقوبات وتكاليف الحرب فإنها تقترب من جني الأرباح على الصعيد الاقتصادي.



ومن الواضح أن روسيا حسبت قبل الحرب كافة السيناريوهات المحتملة التي ستواجهها، ووضعت حلولاً لها جميعاً. وعلى النقيض من ذلك، تبدو الدول الأوروبية تحديدا لم تكن مستعدة لهذه الحرب، لذلك من المفهوم أن تتخلخل العلاقة بين الحكومات والمجتمعات سواء على شكل احتجاجات نقابية في بريطانيا وفرنسا، أو احتجاجات شعبية كما في صربيا والمجر وغيرهما من الدول.



بلغة الأرقام، حققت روسيا إيرادات بقيمة 24 مليار دولار من مبيعات الطاقة إلى كل من الصين والهند خلال ثلاثة أشهر، وهو ما يشير إلى أن ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي قلص تأثيرات العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تم فرضها على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا أواخر فبراير الماضي.



وبحسب بيانات سلطات الجمارك الروسية، بلغت قيمة كميات النفط والغاز الطبيعي والفحم التي اشترتها الصين من روسيا خلال الأشهر الثلاثة حتى نهاية مايو الماضي، 19 مليار دولار، وهو ما يعادل ضعف قيمة هذه المشتريات في الفترة نفسها من العام الماضي. واشترت الهند خلال الأشهر الثلاثة كميات من النفط والغاز والفحم من روسيا بقيمة 5.1 مليارات دولار، بما يعادل نحو 5 أمثال مشترياتها من الطاقة الروسية خلال الفترة نفسها من العام الماضي.



وذكرت وكالة بلومبرغ أن عائدات تصدير الطاقة الروسية إلى كل من الصين والهند خلال الأشهر الثلاثة التي تلت بدء الحرب في أوكرانيا تزيد بقيمة 13 مليار دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما عوّض تراجع صادرات الطاقة الروسية إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال الفترة نفسها.



إيقاف أم تعطيل؟



وفي إجراء يمكن تفسيره بأنه تعطيلي للبدائل الأوروبية عن الغاز الروسي، أمرت محكمة روسية، اليوم، بوقف العمليات في ميناء نفطي روسي على البحر الأسود، يستخدم لمعالجة صادرات كازاخستان، وذلك لمدة 30 يوماً. وذكرت وكالة أنباء «إنترفاكس»، الليلة الماضية، أن المحكمة قالت إن وقف العمليات ضروري لمنع حدوث أضرار بيئية محتملة. وظهرت خلافات بين كازاخستان، جارة روسيا في آسيا الوسطى، والجمهورية السوفييتية السابقة، وموسكو بعد الحرب في أوكرانيا. وعرض الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف مؤخراً إمداد الاتحاد الأوروبي بالمزيد من النفط والغاز للتعويض عن انخفاض الإمدادات من روسيا. و 80% من صادرات النفط الخام الكازاخستاني يتم ضخها عبر هذا الميناء، الموجود بمدينة نوفوروسيسك الساحلية جنوب روسيا.



مخاوف أوروبية



على الجانب الأوروبي، هدأت وزارة الاقتصاد الألمانية من المخاوف المتعلقة باحتمال عدم كفاية قدرات الشحن البحري على نقل الغاز المسال إلى ألمانيا في الشهور المقبلة. وكانت صحيفة «بيلد» الألمانية ذكرت استناداً إلى تقديرات أصحاب سفن شحن واقتصاديين أن هناك شكوكاً حول ضمان نقل المقدار المطلوب من شحنات الغاز المسال لأن ألمانيا لا تمتلك ناقلات غاز مناسبة للمسافات الطويلة فضلاً عن أن السفن المتوافرة لديها التزامات تعاقدية مع دول أخرى.



ومن المنتظر أن يحل الغاز المسال محل الغاز القادم عبر خط الأنابيب ومن ثم يقلل من اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي نظراً لأن وقف توريدات الغاز القادم من روسيا إلى ألمانيا يعتبر أمراً وارداً.



وتعليقاً على احتمال أن تكون محطتا الغاز المسال في ألمانيا المزمع إنشاؤهما غير كافيتين، أكدت الوزارة: «من المقرر أن يبدأ عمل المحطة في فيلهلمسهافن في نهاية العام والمحطة في برونسبوتل بدءاً من أول 2023».



وأضافت الوزارة أن الحكومة الاتحادية استأجرت بالفعل أربع محطات عائمة للغاز المسال، وحصلت شركة يونيبر الألمانية للطاقة في الوقت الحالي على ترخيص بناء أول محطة.



اجتماع أوروبي



وسيجتمع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في 26 يوليو لمناقشة السبل والحلول اللازمة للتصدي لأزمة الغاز الروسي في الشتاء المقبل. ومن المقرر أن تقترح المفوضية الأوروبية بعد الاجتماع بأيام خطة تهدف إلى مساعدة دول الاتحاد على كبح الطلب على الغاز في حالة قطع موسكو لإمدادات إضافية من الغاز وكذلك لتخزين المزيد من الغاز لفصل الشتاء.