9  سنوات على تشكّل «فاغنر» وتأثيرها في ميادين الحروب والمعارك، من بواكير القتال في القرم الذي عبّد طريق الاستعانة بها في سوريا رأس رمح في العمليات العسكرية الروسية، وصولاً إلى مجاهل إفريقيا تحت لافتات الخدمات الأمنية الخاصة للدول والحكومات، وهي المحطات التي لم تقف عندها كثيراً لتتجاوزها إلى مهام أخرى أكثر استراتيجية في تأمين نفوذ موسكو ومصالحها في القارة السمراء.

ما من شك في الدور الذي لعبته «فاغنر» في حرب أوكرانيا وما قدّمت من أثمان لبسط السيطرة الروسية على عديد مناطق على رأسها باخموت، ما يترك برأي الكثيرين تساؤلات حيرى بشأن التأثير الذي سيترك غياب «فاغنر» على مسارات الحرب وربما المآلات.

ربما يجد الروس أنفسهم في ورطة أخرى لا تقل حجماً في ملء الفراغ الذي سيخلّف غياب «فاغنر» من المسرح الإفريقي، بما قد يشكله كل ذلك من تأثير على النفوذ الروسي في عدد من الدول، والذي من شأنه إفساح المجال أمام قوى عالمية أخرى لن تتردّد في ملئه والاستفادة منه تعزيزاً لنفوذها وتمكيناً لتأثيرها في الأرض البكر.

يُضعف تمرّد «فاغنر» إلى حد كبير نفوذ روسيا بل ويهدّد بتبديد ما حققت من مكاسب عبر السنوات في إفريقيا، إذ تُظهر المقدّمات أنّ المجموعة العسكرية لن تكون بعد التمرّد كما قبله، فإنّ لم تختفي من مشهد القوة والتأثير، فإنّ الوهن سيغزو شرايينها، فما حدث من شرخ وجرح غائر لن يسمح بأداء ما كانت تلعبه من أدوار.

أفقد التمرّد الأخير روسيا قوة نفوذها في إفريقيا، وجرّد «فاغنر» من مظلتها التي طالما حمتها من لاهب الانتقادات التي تتناوشها بين الحين والآخر. لن يختفي تأثير «فاغنر» في عدد من دول إفريقيا بين ليلة وضحاها لكنه سيتلبس تمظهرات أخرى ومعادلة وجود مغايرة مستندة إلى شبكات المصالح التي بنتها عبر السنوات.

------- 

لن يضيّع الأوروبيون، لاسيّما فرنسا، فرصة اهتزاز الأرض تحت أقدام «فاغنر» في غرب إفريقيا والعمل على ملء الفراغ الذي خلفه انسحابهم العسكري بالتركيز على الاقتصاد مستفيدين من الإرث الثقافي الراسخ.

يبقى استمرار نفوذ «فاغنر» في إفريقيا واستمرارها في التأثير رهين عاملين رئيسيين، أولهما منهجية تعامل الدولة الروسية مع الشرخ الذي تركه التمرّد الأخير وما عصف به من عميق ثقة وراسخ ولاء، وما سيبذل الغربيون من جهد لترميم تصدعات العلاقة مع الأفارقة الذي يحتاجون المساعدة في تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب والتغلّب على الحروب والنزاعات.

تبدو «فاغنر» في أضعف حالاتها الآن أكثر من أي وقت مضى، فهي على الأقل بلا رأس، وبجسد انهكته حرب أوكرانيا الطاحنة، ومخاوف ملاحقات أمنية يتوقعها الكثيرون، ربما لن تقدّم عليها الدولة الروسية الآن، لكنها لن تغفر لها تمرّد أدخل ولو بعض الشك في قلوب الروس. تبدو القيادة الروسية بين خيارين أحلاهما مر إما إعادة صياغة العلاقة مع المجموعة العسكرية وفق أسس جديدة حفاظاً على التأثير والنفوذ، أو تقليم أظافرها تضميداً لجرح الكبرياء.