بعد مطاردة ماراثونية منذ صباح اليوم على نهج "بيتاً بيتاً"، ألقت الشرطة الألمانية القبض على شخصين في برلين خلال البحث عن أفراد مطلوبين للاشتباه في تورطهم في جماعة الجيش الأحمر المسلحة في ألمانيا.
وكل فترة تصدر خبر ملاحقات أفراد سابقين في "الجيش الأحمر" وسائل الإعلام الألمانية، حيث تحتفظ الذاكرة الشعبية بحوادث مهولة مرتبطة بهذا التنظيم المتطرف الذي أحدث رعباً على امتداد عقود في ألمانيا وأوروبا قبل أن يتلاشى التنظيم تدريجياً حيث لم يبق منه سوى "الدفاتر القديمة" للوائح اتهام صادرة بحق أعضائه، ومحاكمات تفتح شهية الإعلام على إعادة كتابة قصة هذا الجيش الذي تعاطف معه - رغم عنفه - طبقة مثقفة واسعة، أبرزهم الفيلسوف الوجودي، جان بول سارتر.
في عملية اليوم، شارك 130 شرطياً في القبض على شخصين من الجيش الأحمر الألماني، هما إرنست فولكر ستوب (69 عاماً) وبوركارد جارويج (55 عاما). وتبحث الشرطة عنهما منذ عقود لاتهامات مرتبطة بارتكاب هجمات إرهابية. وفي نهاية فبراير الماضي، ألقت الشرطة القبض على دانيلا كليته (65 عاماً) وتم العثور على أسلحة داخل شقتها في برلين. وهي متهمة بجرائم سطو مسلح وقعت في أعوام، من بينها 1999 و2006 و2015 و2016.
وتحول التنظيم منذ نهاية الحرب الباردة وتوحيد شطري ألمانيا الغربية والشرقية عام 1989، إلى عصابة فقدت أهدافها السياسية التي تزعم أنها تقاتل في سبيلها، وباتت تسطو على بنوك وتطارد أشخاصاً بهدف الابتزاز بالفدية. وكما في الأشخاص الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم، فمعظم الأعضاء الملاحقين في الجيش الأحمر باتوا كباراً في السن، وأصغرهم في الدفعة الأخيرة يبلغ 55 عاماً.
وتُعد جماعة الجيش الأحمر التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز وأنشط الجماعات اليسارية المسلحة بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب، حيث تم تصنيفها «جماعة إرهابية». ونفذت الجماعة العديد من العمليات أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص. وشنّت السلطات عمليات بحث عن أعضاء الجماعة المطلوبين لفترات طويلة من الزمن.
وعُرِفَت الجماعة التي يشار إليها اختصارا بـ«آر أيه إف»، أيضاً باسم مجموعة «بادر ماينهوف»، وهو اختصار للشخصين المؤسسين؛ اندرياس بادر وأورليكه ماينهوف.
نشأ الجيش الأحمر الألماني من حركة الاحتجاج الطلابية والحركات المناهضة للحرب الفيتنامية في ألمانيا الغربية في الستينيات.
ويعتقد أن الجماعة قد قتلت 34 شخصاً بين عام 1970 وعام 1991 معظمهم من الشخصيات البارزة في المؤسسة الرسمية الى جانب سائقين ورجال حماية.
وأثارت دهشة العالم الغربي حين فجرت المقر الرئيس للفيلق الخامس التابع للجيش الأمريكي في ألمانيا، وعاثت فوضى خلال احتجاجات رافضة في فرانكفورت لـ "إمبريالية الولايات المتحدة واحتلالها" في 11 مايو 1972. ولقي العقيد الأمريكي بول بلومكويست حتفه في الانفجار، وباتت عصابة الجيش الأحمر رقماً مثيراً للرعب. ولم تعلن هذه المجموعة اليسارية أي ارتباط أو تعاطف مع الاتحاد السوفييتي، فقد اعتبر كوادر الجيش الأحمر أن السوفييت يلتقون مع الامبريالية ويمثلون شكلاً من أشكالها.
واعتبر الجيش الأحمر الألماني نفسه جزءاً من حركة عالمية تمتد من التأثير الشيوعي لماو تسي تونغ في الصين، وثورة كوبا 1959، والتمرد المديد ضد الاحتلال البرتغالي في موزامبيق، و"منظمة التحرير الفلسطينية" التي تأسست عام 1964، وتكتيكات حرب العصابات للثوري الماركسي تشي غيفارا، وكلها أثرت في منظورها السياسي.
وكانت المجموعة على صلة مع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وكان لعملية الخطف التي نفذتها الجبهة للرحلة 181 لـ "طائرة لوفتهانزا"، صدى إيجابياً داخل زنازين كوادر الجيش الأحمر في السجون الألمانية. وقد أقدم قادة المجموعة، بمن فيهم الصحفية المؤسسة، ماينهوف، على الانتحار داخل السجون، ليتأسس جيل ثانٍ أكثر عنفاً وأقل سياسة، وحاصرتهم السلطات وألقت القبض على معظمهم، ليظهر جيل ثالث "تائه" مطلع التسعينيات، وأغلبهم هم الذين يلقى القبض عليهم حالياً.