حققت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي تقدماً في الدول الرئيسية، مثل ألمانيا وفرنسا، في الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
وتعكس النتائج تحولات مهمة في السياسة الأوروبية وتؤثر بشكل كبير على مستقبل القارة وعلاقاتها مع العالم.
وكرست الانتخابات الأخيرة حضور ما يمكن تسميته بـ "اليمين غير المرغوب به" من قبل الأحزال الليبرالية الحاكمة التي تنعت كل هذه الأحزاب بـ"اليمين المتطرف"، رغم أن أقوى النتائج حققتها أحزاب يمينية لا تختلف كثيراً عن المسيحيين الديمقراطيين في ألمانيا، وهو حزب "إخوة إيطاليا" بزعامة جورجيا ميلوني، وليس اليمين المتطرف.
في العموم، هناك جملة من العوامل وراء الصعود المستمر لأحزاب اليمين الأوروبية، ومعظمها متعلق بمتطلبات الحياة اليومية ومصادر الدخل الشخصي والعائلي للمواطنين الأوروبيين، حيث أن الأحزاب الحاكمة تضع أولويات تعمق من أزمة طبقات معيشية، ويقرب هذه الطبقات نحو أحزاب اليمين، لعل أكثرها إثارة للجدل ملف المناخ.
لطالما حمل الاتحاد الأوروبي طموحاً كبيراً، بأن يكون في صدارة العالم عندما يتعلق الأمر بالبيئة، ولكن قطاعاً واسعاً من ناخبي أوروبا يزداد قلقهم بشأن تكلفة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
على سبيل المثال؛ الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة للمزارعين، والتي نزلوا فيها بجراراتهم من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل والبرلمان الأوروبي، مما أدى إلى شلل الحركة فيهما.
اعتبر المحتجون أن القوانين البيئية الوطنية وقوانين الاتحاد الأوروبي والبيروقراطية تعطّل أعمالهم.
ووفق كاتيا أدلر، محررة الشؤون الأوروبية في بي بي سي، قفزت أحزاب اليمين القومي في فرنسا وهولندا وبولندا على هذه العربة (أضرار الاقتصاد الأخضر على حياة المزراعين)، واغتنموا فرصة للترويج لادعائهم بأنهم ممثلون "للناس العاديين" ضد "النخب المنعزلة عن الواقع" في الاتحاد الأوروبي.
ويخشى أنصار البيئة أن يتجنب الاتحاد الأوروبي الآن تحديد كيفية مساهمة المزارعين في رؤيته لخفض 90٪ من الانبعاثات بحلول عام 2040. ويعتقدون أن التحول نحو اليمين في البرلمان الأوروبي قد يعني المزيد من التخفيف أو تأخير لا نهاية له للأهداف الخضراء.
انعزال الأحزاب السائدة عن الحياة اليومية للناس ينعكس حتى على تصويت شريحة الشباب الكبيرة. توقع مراقبون ومحللون أن جيل الألفية والناخبين لأول مرة من جيل Z، هم من بين أولئك الذين يميلون نحو اليمين، حيث تشير الأرقام التي جمعتها صحيفة فايننشال تايمز مؤخراً إلى أن نحو ثلث الناخبين الفرنسيين الشباب والهولنديين تحت سن الخامسة والعشرين، و22 في المئة من الناخبين الألمان الشباب، يفضلون اليمين المتطرف في بلادهم، وهذه زيادة كبيرة منذ انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة في عام 2019.
ويشير توسع تأييد اليمين من شريحة صغار الشباب، والذين يصوتون لأول مرة، إلى أن التيارات اليمينية حجزت لها موقعاً قيادياً ليس في حاضر أوروبا بل في مستقبلها أيضاً، على الرغم من أن بعض القيادات الأوروبية السائدة تبدو أقل تشاؤماً وتعتقد أن اليمين المتطرف ما زال على الأطراف وبعيد احتلال الشارع. ويدافعون عن وجهة النظر هذه أن حزب الشعب الأوروبي وهو من يمين الوسط، ما زال الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي.
وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وهي زعيمة هذه الكتلة، أن "حزب الشعب الأوروبي هو أقوى مجموعة سياسية، وهذا مهم، سنبني حصناً ضد متطرفي اليسار واليمين، وسنوقفهم".
يبقى أن اليمين المتطرف غير منظم ومنقسم داخلياً، مما يضعف من قوته. ولا يزال العديد من ممثلي اليمين المتطرف، بما في ذلك أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب "فيدس - الاتحاد المدني المجري" لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، حتى الآن غير منتمين إلى أي من التجمعات السياسية الأوسع في البرلمان.
لكن هناك ما يجمع كل هؤلاء من اليمين المتطرف، وهو تفهمهم لاستراتيجية روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وعدم احترامهم للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي.
وأفاد الرئيسان المشاركان لـ"البديل من أجل ألمانيا" بأن الحزب "يرفض الاستماع إلى متحدّث يرتدي بزّات عسكرية"!