في السنوات الأخيرة، أصبحت العلاقة بين الصين وأوروبا أكثر تعقيداً وتشابكاً، تتراوح بين التعاون الوثيق في مجالات متعددة والتوترات الناشئة عن قضايا تجارية وجيوسياسية.

تُعتبر الصين شريكاً تجارياً رئيساً للاتحاد الأوروبي، حيث تتدفق البضائع ورؤوس الأموال بين الطرفين بمليارات الدولارات سنوياً (738 مليار دولار في 2023). ومع ذلك، تسعى بعض الشركات الأوروبية إلى الانفصال عن الصين، مع خطاب سياسي متصاعد حول تأثيرات تلك العلاقة والاعتماد المفرط على بكين في سلاسل الإمداد. ورغم هذه التوجهات الانفصالية، تظل العلاقات الاقتصادية بين الصين وأوروبا نظرياً قوية ومترابطة.

إذ يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الشركاء التجاريين للصين، والعكس. وتعتمد العديد من الشركات الأوروبية على الصين مصدراً رئيساً للمواد الخام والمكونات، وأيضاً سوقاً ضخمة لتصريف منتجاتها. هذا الارتباط العميق يعزز من ضرورة تحسين العلاقات بين الطرفين

 

تحدٍّ كبير

ولا يبدو الانفصال الأوروبي عن بكين سهلاً على أي من الطرفين، بحسب مدير المركز العالمي للدراسات التنموية صادق الركابي، الذي يشير إلى أن هذا الأمر يعتبر تحدياً كبيراً للأسواق والشركات الأوروبية؛ ولا سيما مع ارتباط عديد منها بسلاسل توريد ذات تاريخ طويل من التعامل مع السوق الصينية التي تعتبر من أكبر أسواق التوريد وأكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم.

وفي ظل ضعف النشاط الاقتصادي العالمي فسيكون من الصعب على الشركات الأوروبية إيجاد البدائل الاقتصادية المناسبة.

وهذا يتطلب تعزيز الإنتاج المحلي الأوروبي، لكن على أسس جديدة تكون أكثر تنافسية مع السوق الصينية. ووفق الركابي، فقد يساعد التطور التكنولوجي الشركات الأوروبية على تحقيق جزء من هذه الاستراتيجية الجديدة من خلال تقليل التكاليف وإيجاد الحلول الذكية، لكنه يتطلب أيضاً تنويع سلاسل التوريد والتحول إلى موردين جدد وكلفة عالية لتجهيز بنى تحتية لوجستية جديدة من نقل وتوزيع وتخزين كما سيكون هذا الأمر مكلفاً جداً للاقتصاد الأوروبي على المدى القصير والمتوسط؛ كونه يحتاج إلى دعم حكومي وحوافز كبيرة للشركات الأوروبية، لكنه سيعطي نتائج إيجابية على المدى الطويل.

وتعتبر خسارة السوق الصينية مخاطرة كبيرة إذا لم يكن لدى الشركات الأوروبية اقتصادات وأسواق أخرى بديلة، كما أنه سيكون سلبياً على الاقتصاد الصيني كذلك؛ لأنه يعني تراجعاً في الطلب الأوروبي على منتجاتها وكلفة عالية لإيجاد أسواق بديلة وشركاء جدد واستثمارات كبيرة في ما يتعلق بالابتكار والتطوير لتعزيز منافستها مع السوق الأوروبية.

وفي تصور الركابي، فإن الخاسر الأكبر في كل هذه التحولات سيكون معدل نمو التجارة العالمية التي تعاني أصلاً من تداعيات كورونا والحرب في أوكرانيا، كما أن الأمر سيتطلب إعادة هيكلة سلاسل التوريد فيها ومخاطر جديدة قد تنجم عنها.

 

طريق مسدود

إلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، إلى أن ثمة عدة عوامل تسهم في دفع العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والصين إلى طريق مسدود، وبعض هذا العوامل نابعة من تأثير التوترات الجيوسياسية في حركة التجارة.

لكنه يشدد أن الشركات الأوروبية الكبيرة غير قادرة على فك ارتباطها اقتصادياً بالصين؛ نظراً لضخامة سوق الأخيرة، ولكن قد يحدث ذلك في حالة واحدة فقط وهي وجود قرارات حكومية وسيادية تتعلق بالأمن الوطني لهذه الدول  ويستطرد: على المستوى السياسي، فإن علاقة الكثير من الدول الأوروبية مع الصين لا زالت معقدة وإن كانت في ظاهرها إيجابية، بينما فكرة فك الارتباط اقتصادياً بين الصين والأسواق الأوروبية ليست بالأمر السهل.

وعن موقف الصين، يقول الحسيناوي: الصين هي الأخرى تعرف هذه الأوضاع جيداً وتستعد لها، وحال حدوث خطوات مؤثرة كتلك فإن النتيجة المتوقعة حال حدوث هذه القطيعة أن تغير بكين اتجاه تجارتها نحو أسواق أخرى بديلة، بما في ذلك أفريقيا .