على مساحة 10 كم² تقريباً في بغداد، تقع «المنطقة الخضراء»؛ أكثر المناطق تحصيناً في العراق. إبان الغزو الأمريكي، في أبريل 2003، سيطرت القوات الأمريكية على المنطقة، وجعلت منها منطقة شديدة التحصين، وأطلقت عليها هذا الاسم، بعد أن طوّقتها بحواجز أسمنتية ووحدات مراقبة خاصة، ومنعت العراقيين من دخولها إلا بتصاريح أمنية خاصة.

عرفت في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين باسم «القصر الجمهوري»، وكانت مُحرّمة «عملياً» على العراقيين، في ظل التشديدات الأمنيّة التي تُحيط بها، حيث كانت تضم «قصر السلام» الذي يعد واحداً من أكبر القصور الرئاسية بالعراق، وتم بناؤه في أواخر عهد صدام.

في تلك الفترة (قبل الغزو) كان يطلق على المنطقة اسم «كرادة مريم»، وكانت عبارة عن منطقة سكنية لأعضاء الحكومة العراقية، وعديد من الوزارات، كما تضم قصوراً لصدام حسين وأبنائه (القصر الجمهوري وقصر السلام). احتفظت المنطقة بخصوصيتها وتحصينها الأمني حتى بعد خروج القوات الأمريكية.. ولا تزال.

وسط أمواج الفوضى العاتية التي عصفت بالعراق ولم تسلم منها أي من مدن بلاد الرافدين، مثّلت «المنطقة الخضراء» حُلماً بعيد المدى بالنسبة للعراقيين الذين ينظرون إليها كقلعة للاستقرار النسبي منذ ما قبل العام 2003، بعيداً عن مشهد مضطرب يلف البلد ويهدّد أرجاءها كافة طيلة العقدين الأخيرين.

الجنّة المنعزلة

كان يُنظر لـ «المنطقة الخضراء» أو «المنطقة الدولية» من جانب العراقيين وكأنها «الجنّة المنعزلة» المحرومون منها في بلادهم، فهي الواحة الآمنة التي تحتضن المؤسسات والمقار الحساسة، الحكومية كما البعثات الدبلوماسية. ولربما هذا ما جعلها في مرمى نيران القصف والتمرّد بهدف زعزعة الحكم بالبلاد في فترات مختلفة، كان للسفارة الأمريكية (وهي أكبر مقر سفارة في العالم) نصيب وافر منها.

على شكلٍ دائري تمتد المنطقة لتشمل أجزاءً من عدة أحياء (منطقة كرادة مريم، وحي الحارثية، وحي القادسية في بغداد). ولها بوابات رئيسية عدة تُعرف باسم «بوابات المنطقة الخضراء» وهي خاضعة لتشديدات أمنية خاصة، منها بوابة الجسر المعلق، وبوابة القصر الجمهوري، وبوابة وزارة التخطيط.

تصاريح خاصة

إبان الغزو الأمريكي، وفي أبريل 2003، حيث سيطرت القوات الأمريكية على المنطقة، وجعلت منها منطقة محصنة شديدة التأمين، بعد أن قامت بطرد قاطنيها (نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية فيها)، أطلقت على المنطقة اسم «المنطقة الخضراء» بعد أن طوّقتها بحواجز أسمنتية ووحدات مراقبة خاصة، ومنعت بشكل رسمي العراقيين من دخولها إلا بتصاريح أمنية خاصة.

احتفظت المنطقة بخصوصيتها وتحصينها الأمني حتى بعد خروج القوات الأمريكية، إلا أنها تعرّضت بعد استقرار قوات التحالف والحكومات المتعاقبة، إلى سلسلة من التفجيرات وعمليات القصف الصاروخي من جماعات مسلّحة (رغم كونها المنطقة الأكثر أمناً مقارنة بباقي المناطق في العراق). وشهدت  العام الماضي نحو أربع عمليات استهداف بواسطة 10 صواريخ ومسيّرتين، إضافة إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في نوفمبر الماضي، عبر الهجوم بطائرات مسيرة على منزله في المنطقة الخضراء.

مقر صدام

تضم المنطقة الخضراء مقرات منظمات حكومية ودولية، وسفارات دول مختلفة، بينها أوروبية، فضلاً عن سفارة الولايات المتحدة الأمريكية (على مساحة 104 أفدنة)، بالإضافة إلى مقر قيادة قوات التحالف ومقر الحكومة العراقية ووزارات من بينها الدفاع، ومبنى البرلمان والأمن الوطني والمخابرات، والقصر الجمهوري الذي بناه صدام حسين واتخذ منه مقراً لإقامته واستقبال الوفود الرسمية، وقد سلمته سنة 2009 القوات الأمريكية للحكومة العراقية ليصبح مقراً لها (القصر الحكومي).

ومن المواقع البارزة أيضاً في المنطقة الدولية (فندق الرشيد ومستشفى ابن سينا)، إضافة إلى مبنى ساعة بغداد، وهو عبارة عن مبنى مرتفع تعلوه ساعة معلّقة على برج لها أربعة أوجه، تقع في ساحة الاحتفالات، وأنشئت العام 1994 من قبل هيئة التصنيع العسكري التي حُلت بعد غزو العراق. ومن معالمها أيضاً قصر الزقورة على مقربة من بوابة القدس، والذي بني في عهد صدام وتعرض للقصف العنيف أثناء الغزو.

قوس النصر

وتعتبر ساحة الاحتفالات الكبرى من بين أبرز المعالم التي تشتهر بها المنطقة الخضراء، وتضم الساحة نصب الجندي المجهول، والذي قد تم بناؤه مطلع الثمانينات إحياءً لذكرى ضحايا القوات المسلّحة العراقية في الحرب العراقية الإيرانية.

كما تشتهر المنطقة - التي يصفها بعض المراقبين بأنها دولة داخل الدولة- بقوس النصر، الذي تم تشييده إبان الحرب العراقية الإيرانية. وهو عبارة عن سيفين كبيرين يرسمان شكل قوس في الفضاء، وتحت السيفين خمسة آلاف خوذة لجنود إيرانيين تم جمعها من ساحات المعارك خلال الحرب.

كانت المنطقة في محيط القوس -في عهد صدام- مكاناً للاستعراضات العسكرية والمسيرات الشعبية. وفي 2008 اعترض السفير الأمريكي على اتجاه لإزالة ذلك النصب التذكاري لكونه يمثل حقبة من تاريخ العراق. وقد أجريت عمليات لتطويره في 2011.

وفي 2015 سُمح للعراقيين بدخول مناطق محددة في المنطقة الخضراء مع إقرار بعض القيود آنذاك، ثم في 2018 تم فتح أجزاء أخرى من دون قيود لأول مرة منذ 2003. لكن حتى الآن لا تزال معظم مناطق المنطقة الخضراء - التي لها وحدة أمنية خاصة بتأمينها- محرّمة على العراقيين.

وحاولت ميليشيات الحشد مراراً وتكراراً اقتحام هذه المنطقة وحصار مقر الحكومة. وشهد محيط المنطقة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق -التي أجريت في أكتوبر الماضي - تظاهرات لمحتجين على نتائج الانتخابات، اقتحموا المنطقة المحصنة وسط اشتباكات واسعة أسفرت عن ضحايا. ذلك فضلاً عن عمليات القصف والاستهداف التي شهدتها في السنوات الأخيرة بشكل متكرر.

اقتحام السفارة

ويعتبر اقتحام السفارة الأمريكية في 31 ديسمبر 2019 من بين أبرز الأحداث في هذا الصدد، حيث تم اقتحام السفارة في المنطقة الخضراء من قبل محتجين يحملون رايات ميليشيات الحشد و«حزب الله» العراق، واستطاعوا الوصول إلى الباحة الخارجية للسفارة، بعد اقتحام نقطة أمنية عند مدخلها وأضرموا النيران فيها، وذلك كرد فعل على قيام الولايات المتحدة بشن غارات جوية على مقرات قواعد عسكرية تابعة لكتائب حزب الله وميليشيات الحشد في العراق وسوريا.

كما يشهد محيط بوابات المنطقة تظاهرات مختلفة من وقت لآخر لمحتجين، على غرار تظاهرات سابقة لمئات الشباب العراقيين في سبتمبر 2020 أمام بوابات المنطقة، طالبوا فيها بتوفير فرص عمل، وكذلك تظاهرات في أكتوبر 2019 مناوئة للفساد.

ومع تتابع حلقات استهداف المنطقة الخضراء، والسفارة الأمريكية على وجه الخصوص، قدّم مسؤول أمني أمريكي تقريراً هندسياً للحكومة العراقية في 23 يناير 2021، لتأمين المنطقة، مع الإعلان عن تخصيص 20 مليون دولار لذلك الأمر، طبقاً لما أعلنته السفارة الأمريكية، التي سبق وأعلنت في الوقت نفسه عن تقديم 30 مدرعة للجيش العراقي لحماية المنطقة ذاتها.

وتعتبر المنطقة الخضراء واحدة من أشهر المناطق في العراق، وعادة ما ينظر لمحاولات استهدافها على كونها تشكل مساساً مباشراً بـ «هيبة الدولة»، نظراً لكونها مركزاً رئيساً للحكم بالبلاد.