أوقعته روايته «الحريم» الفائزة بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب، أخيراً، بجائزة أفضل رواية، في مقارنة عصيبة مع عميد الرواية العربية وأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ.

ولكن الروائي حمدي الجزار يصف هذه المقارنة بأنها غير دقيقة، كما يقول في حواره مع (بيان الكتب). ويحكي عن تجربته ومنهجه وآرائه، مشبهاً لغته الكتابية بالآلة الموسيقية، إذ تتسلل معانيها إلى روح قارئها دون عناء، وموضحاً أن الأديب يبحث عن خلوده في ذاكرة قرائه في نهاية الأمر.

اختيرت روايتك «الحريم» كأفضل عمل روائي ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب.. كيف استقبلت هذا التتويج؟

سعدتُ بالطبع بهذا التقدير والاحتفاء بروايتي، شعرت أن التعب والجهد اللذين بذلا فيها لم يذهبا سدى، وأن المتلقي وجد ضالته في سطور الرواية التي تعبر عن ذاتي وذاتك وذات الآخر.

موقف وتوجه

هل كنت تتوقع أن تحظى روايتك بجائزة أفضل عمل روائي في دورة هذا العام؟

أنا لا أضع الجوائز هدفاً، لكنني في الوقت ذاته، لا أكتب إلا ما يرضيني، فبمجرد ظهور العمل إلى النور هذا يعني أنني بت راضياً عنه، ومستعداً لتحمل أي نقد مقدم إليّ، والدفاع عنه، فعندما أكتب لا يهمني البشر بقدر ما أهتمُ برضائي الشخصي عما أخطه، ثم أعرض العمل على أهل الثقة، وبالطبع يسعدني فيما بعد مرحلة الكتابة رضاء الجمهور، فالأديب يبحث عن خلوده في ذاكرة قرائه في نهاية الأمر.

ترابط

بعد «الحريم» شبهك البعض بنجيب محفوظ.. هل يضايقك هذا التشبيه أم يسعدك؟

كل كاتب يحب أن تكون له تجربته الفريدة والمختلفة، لكن بالتأكيد لا يضايقني هذا الربط، فلا أحد ينكر الدور الذي لعبه محفوظ في الثقافة العربية، وإن كنت أرى أن المقارنة دائماً غير دقيقة، وربما أتى هذا الترابط لأن موضوع الرواية يدور داخل حي شعبي..

وهو العالم الذي برع فيه محفوظ وكان دائم الاهتمام بتلك الأحياء في أعماله، والربط المكاني في نظري شيء طبيعي، فهو المادة الخصبة للكاتب المصري من أجل محاولة إيهام القارئ بأن ما يحدث داخل الرواية حقيقي، بينما هو من وحي خيال الكاتب.

جوهر

ركزت رواية (الحريم) على: الحب والنساء.. فما الجديد الذي قدمته في هذا الموضوع الذي قُتل كتابة؟

الأساس في الرواية هو البناء الفني، فقد اعتمدت على تقسيمها لفصول وكل فصل يحمل اسم امرأة أثرت في حياة بطل الرواية، إذ إن تجاربنا في الأساس تدور حول العشق، وذلك على مستوى الحكاية والحدوتة، وعلى الرغم من تكرار ذلك الموضوع منذ ظهور الأعمال الأدبية، إلا أن الرؤية هي ما تختلف.

حيث إن تلك الموضوعات رغم قِدمها، إلا أنها أساس الحياة الإنسانية، فالإنسان دائم العلاقة والمراوحة بين الحب والألم والسعادة، وهي المواد التي يدور حولها الفكر الإنساني كله، الفارق الجوهري هو تناول المبدع لهذا العمل، والذي ينعكس من الرؤية الفردية ككل، ثم الجمهور الذي يتلقى هذا العمل ويفسره ويتشربه على حسب وجهة نظره.

تأويل مختلف

ما رأيك في التأويل الذي وصل إليه الناقد صلاح فضل من خلال تفسير اهتمامه بالمرأة أنها هي «المرايا التي يشهد فيها البطل صور ذاته»؟

سعيد بالطبع أن يظهر هذا التأويل من جانب قامة كبيرة مثل صلاح فضل، لكن هذه القراءة المبدعة لفضل لا يمكن لي تفسيرها بأية حال من الأحوال، فكل قراءة خاصة بالقارئ، وتفسيري سيكون كسراً لمحاولات التأويل المختلفة التي تعطي أية رواية قيمتها.

ألحان لغوية

تنوعت لغة روايتك بين العامية والفصحى. هل تشغلك اللغة أثناء كتابة النص؟

بالطبع، أهتمُ باللغة اهتماماً بالغاً، فهي الطريق التي يصل إليها مكنون ما في الأديب، لذا أرى أن اللغة تشبه الآلة الموسيقية، فاللغة من وجهة نظري تشبه الألحان الجيدة التي ينتقل عبرها ما يعزفه الموسيقي.

ثلاثية

.. وما الذي تحرص أن يحضر دائماً في رواياتك؟

صدرت لي في وقت سابق روايتان قبل «الحريم»، وهما : «سحر أسود» و«لذات سحرية»، ويمكن القول إن رواياتي الثلاث حملت ضمير المتكلم، كما تميزت بالوحدة الموضوعية، إضافة إلى اعتماد الرواية على شخصية رئيسة تحرك الأحداث، ويمكن اعتبار رواياتي كنوع من الثلاثية، إذ إن الأزمان متسلسلة منذ السبعينات من القرن الماضي، وحتى الوقت الحالي.

المرأة هي العشق

يظهر اهتمامك جلياً بالعنصر النسائي في رواياتك الثلاث. هل توافق على ذلك؟

لابد من حضور المرأة في الأعمال، إذ إنني أرى أنها العشق، وهي الجانب الذي عن طريقه يمكن اكتشاف العالم، بل والنفس الإنسانية، فهي الطريق إلى المكاشفة والمعرفة، لذا لابد من وجودها.

«الحالمون في الثورة»

كنتَ قررتَ تجهيز مشروع روائي عن الثورة لكنك تركته.. ما السبب؟

بالفعل، كنتُ أجهز لمشروع ملحمة روائية عن ثورة يناير بعنوان «الحالمون في الثورة»، وبدأ المشروع منذ اندلاع الثورة المصرية، ونشرت منه بالفعل عدداً من النصوص في كبرى المجلات خلال ثلاثة أعوام، ولكن حدث ما حال دون نشره، ولا أعلم ما الوقت المناسب الذي يمكن أن يعود من خلاله المشروع ليرى النور، من خلال كتاب متكامل يجمع هذا العمل الأدبي.

مرويات وحقب مصرية تؤرخ للإنسان والمكان

 يعرف حمدي الجزار في روايته (الحريم)، البطل من خلال ما خطه في غلافها: «في زمنٍ بعيد، ناءٍ وغائمٍ.. كنت لم أحرم ثدي أمي سوى من أربع سنوات فحسب، وكان طعم الصبار المر، الذي رضعته.. لم يزل طازجاً في فمي، كان لا يزال عالقاً بطرف شفتي حين ترك أبي باب دكانه مفتوحاً على مصراعيه، وذهب لمدرسة طولون الابتدائية الجديدة، بجوار سور الجامع، من طلعة الدحضيرة».

ويضيف: «راح الأسطى فرج مسرعاً للهدف الجلل كما هو، ببنطلونه الكاكي القديم والصديري البلدي، المبقع بالغراء الناشف، فوق القميص الكاروهات المشمر حتى الكوعين، هرول نحو المدرسة والقلم الكوبيا على أذنه اليمنى..

والدوسيه الورقي تحت إبطه، اجتاز باب المدرسة الحديدي، ودخل للإدارة مباشرة، وقدم للأستاذ نصر، سكرتير المدرسة، الأوراق المطلوبة كاملة: ملف به شهادة ميلادي، ست صور- أربعة في ستة، خمسة طوابع -معونة الشتاء بخمسين قرشاً وعاد للبيت».

20 فصلاً

أما الرواية نفسها فهي تركز على النساء بشكل خاص، فمن خلال عشرين فصلاً، يحمل كل منها اسم امرأة، ليكبر في كل فصل بطل الرواية «سيد» من خلال علاقته التي بدأت بأمه مروراً بالسيدات اللاتي عرفهن، ثم مقابلته للحب وخيبة الأمل، ومن ثم الزواج الروتيني.

ولم ينس الكاتب أثناء ذلك سرد حياته البسيطة، خاصة من خلال نشأته في حي «ابن طولون»، هذا إلى جانب رصد جميع الشخصيات داخل تلك البيئة البسيطة والفقيرة، مثل «عليمي» الفكهاني المتجول وزوجته لوزة، وأم شفيق «الدلالة» وبناتها الثلاث، وابنها «الحرامي» الذي هرب من الحي وعاد إليه مقتولاً، ثم «أُنس» صاحبة شقة الفرفشة القديمة، متناولاً الحقب المصرية وتأثيرها في البشر، وأحاسيسهم، لتصبح الرواية تأريخاً أدبياً من خلال البشر بشكل أدبي.