يدخل الكاتب المصري أحمد القرملاوي في روايته «أمطار صيفية» الفائزة بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثانية عشرة- فرع المؤلف الشاب، عالمي التصوف والموسيقى، باحثاً عن الصلات المشتركة بينهما في قالب درامي مشوق، محاولاً طرح سؤال مزدوج: هل للموسيقى/‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ للروح مكانٌ في العالم المادي الحديث؟

وفي حوار خاص مع «بيان الكتب» يتحدث القرملاوي عن العالم المختلف لتلك الرواية وموضوعها، وأبرز الأسئلة الوجودية والفلسفية التي تطرحها الرواية، واصفاً فوزه بجائزة الشيخ زايد للكتاب، باللحظة الاستثنائية التي لا تتكرر كثيراً.

ومؤكداً أيضاً، أن الكتابة أنها أعادت تشكيل شخصيته بصورة كاملة..واعتبر عودته إليها بعد انقطاع بمثابة العثور على النفس بعد ضياعها. وشدد القرملاوي على أن ضمير الكاتب وقيمه أجدى وأهم رقيب على مكون إبداعه.

كيف ترى فوزك بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الحالية؟

أرى هذا الفوز فوزاً على عدة مستويات؛ فعلى المستوى الشخصي، أراه تكريماً غير عادي واعترافاً بالغ الأهمية بتجربتي الإبداعية، فجائزة الشيخ زايد للكتاب جائزة مرموقة على مستوى العالم، عُرِفت بنزاهتها وموضوعيتها الشديدة، حتى إن لجانها لا تتوانى في حجب الجائزة لو لم ترَ في الأعمال المرشحة ما يستأهل الفوز بجائزة بهذه القيمة والأهمية البالغة.

أدب نوعي

إلى أي مدى سيشكل لك الفوز بالجائزة حافزاً من حيث تقديم المزيد من الإبداع خلال الفترة المقبلة؟

الجائزة اعتراف هام للغاية بتجربتي الإبداعية، يجعلني مطمئنّاً للخط الذي رسمته لنفسي في الكتابة، فقديماً كتب الكاتب والناقد الراحل علاء الديب، شهادة أعتز بها، وصف بها كتابتي بالإصرار والدأب على معاناة فن التعبير، وتحسين نوعية الإنتاج الأدبي الفني، ثم أتت هذه الجائزة الكبيرة المرموقة لتمنحني حافزاً أكبر بكثير على الإصرار على نفس الخيارات.

رمز الخير

ما الذي تميزت به روايتك «أمطار صيفية» الفائزة فأهلها لتحقق هذا النجاح ؟

تميزت الرواية، في رأيي، بعالمها المختلف، وبموضوعها الذي يؤرِّق عموم المنتمين للثقافة العربية، فمن الطبيعي أن يجد عالمها الذي يجمع بين الموسيقى الشرقية والنكهة التراثية صدى لدى القارئ العربي، أما موضوعها فيتناول الأزمة الروحية التي تُواجه الإنسان في عالمنا الحداثي، الذي يجذبه العلم وتستدرجه التكنولوجيا بعيداً عن عالم الروح.

ولماذا اخترت لها اسم «أمطار صيفية»؟ وما الدافع الرئيسي لكتابتها؟

ما دفعني لاختيار موضوعها هو صراعي الداخلي؛ أسئلتي التي أبحث عن إجاباتها من خلال الكتابة، أما ما ساعدني في رسم عالمها فهو تجربتي العميقة مع الموسيقى الشرقية والمعمار الإسلامي.

أما العنوان فأنا من أنصار فكرة ابتعاد المؤلف عن منح تأويلاته الخاصة فيما يخص عناصر النص، فهذا شأن القراء والنقاد، وأثق أن القارئ الحصيف سيجد في النص ما يؤوِّل في ضوئه العنوان، الأمطار الصيفية ذُكِرَت في موضعين بداخل النص، كما أن للأمطار خصوصيةً في الوجدان العربي، فهي حدث نادر الحدوث يرمز للخير الممنوح من السماء، ولو حدثَت في الصيف -أي على غير توقُّع- فستكون أبلغ أثراً وأكثر توطيداً للعلاقة التي تجمع السماء بالأرض.

روح المكان

الرواية تطرح أسئلة وجودية .. فماذا عن ذلك؟

هي الأسئلة التي كثيراً ما يتناولها الأدب وتحوم حولها الكتابة الإبداعية؛ القلق الوجودي، حقيقة الروح، تسليم العقل لما يوصف بالحقائق المطلقة، قيمة التجربة الذاتية في تمحيص الثوابت وتثبيت اليقين، لكن تم إلباسها في «أمطار صيفية» ثوباً مغايراً خِيطَ من عالمها المغاير.

الضمير الإنساني

هل تؤمن بوجود سقف معين يتوقف عنده الإبداع؟

لا أؤمن بسقف ولا برقابة وضعية ولا مجتمعية، فجميعها يتحول مع الوقت لأدوات تُستخدم في قمع أفكار لصالح أفكار، لكنني أؤمن بالضمير الإنساني، بأن الكاتب نبتةٌ شقَّت طريقها في تربة مجتمع بعينه أو تجربة إنسانية بعينها، يحمل قيَمَ المجتمع الإنسانية بصورة أو بأخرى، حتى لو امتلك رؤيةً مغايرة أو أسئلةً تتشكك في جدوى هذه القِيَم، والأفضل أن نفسح المجال للمبدع والمتلقي حتى يؤثر أحدهما في الآخر، عن طريق الحوار.

ثوابت المجتمع

نصوص عملك الأخير تخلو من أي تابوهات.. فهل تتعمد ذلك؟

قد يختلف تعريف التابو من مجتمع لآخر، ومن متذوِّق لآخر، وربما تجد قارئًا يرى في «أمطار صيفية» ما ينتهك قناعاته ومحاذيره، وتجد آخر يراها متحفظة في هذا الجانب. ما أعتقده هو أنني أفصحتُ من خلالها عما يؤرقني دون التقيد بأي محظور، إلا ضميري الشخصي، فلستُ من الكُتاب الذين يسعون للتصادم مع ثوابت المجتمع، أكثر مما يشغلني تفكيكها وتأملها وطرح الأسئلة التي تشغلني بشأنها.

حكاية الإنسان

الأدب يجب أن يعني شيئاً للناس، كونه ليس مجرد حكايات تروى، فالأدب يجب أن يكون له رسالة.. فما هي الرسالة التي تسعى لتقديمها عبر أدبك؟

اسمح لي أن أختلف معك، فالأدب صنف من صنوف الفنون، والفن في ذاته رسالة تؤدّى للإنسان، للبشرية، الإمتاع فحواها ومبتغاها الأهم، فلو اشتمل فوق ذلك على ما يُعزِّز قيَم الإنسانية أو ما يطرح الأفكار والتساؤلات التي من شأنها أن تعمق من فهم الإنسان لواقع حياته ووجوده في هذا العالم، فهذا أمر محمود.

أما التقليل من شأن الحكاية فبعيد عن روح الفن. الحكاية فن، قد يصل ببعض المبدعين لمراتب العبقرية. أما عن نفسي، فلا أسعى لتوصيل رسائل عبر كتابتي، بل أطرح ما يشغلني من أفكار وتساؤلات.

«أمطار صيفية».. الموسيقى والمحبة في مواجهة التشدد

تبدأ رواية «أمطار صيفية» بحفل موسيقي بداخل وكالة تاريخية من العصر المملوكي، بمناسبة اختيار «يوسف» موجِّهاً جديداً لمدرسة العود، خلَفاً للشيخ ذاكر رسلان شيخ الطريقة الموصلية. يشعر يوسف بارتباك لَحظيّ، لكنه سرعان ما ينفصل عن محيطه أثناء العزف، يقف الحضور على إثرها ويعلو التصفيق، وتظهر بين المصفقين زينة، الموسيقية المصرية الألمانية، ورحمة، ابنة الشيخ ذاكر وصديقة يوسف.

أثناء الحفل، يقوم زياد بسرقة عود التدريب مُستغلّاً انشغال الجميع، فهو يعمل عازفاً في أحد الأندية، ويبيع الأعواد لزبائن عرب، من بينهم زبون يبحث عن عود قديم. يستبدل زياد العود بآخر رخيص وينسحب خارجاً.

بعد الحفل، تحضر زينة الألمانية الشقراء لتبارك ليوسف، ويلحق بها الشيخ الذاكر وزياد، بعد سرقة العود. تخبر زينة يوسف بحاجتها للحديث معه، يتبادلان أرقام الهاتف وتغادر زينة، ثم يجدها ترسل إليه صور الحفل على الواتساب، لتؤكد إعجابها بأدائه المذهل.

ترغب زينة في تحويل الوكالة التاريخية لمركز عالمي لموسيقى التكنو والبوب ذات الطابع الشرقي، كما تسعى للتخلص من ورشة تصنيع الآلات القديمة.

وإقامة مصنع لإنتاج آلات موسيقية لا تعتمد على مهارة الصانع وحسّه الخاص. فتدعو يوسف لمقهى في الزمالك وتعرض عليه مشروعها، وتطلب دعمه في مواجهة أستاذه الشيخ ذاكر الذي يرفض الفكرة من أصلها. يُعجَب يوسف بالفكرة، لكنه يتحفظ على موقف زينة من الشيخ ذاكر ووصفها إياه بالتخلف والرجعية.

3وتستمر أحداث العمل في ثلاثة خطوط متوازية:

* الشيخ ذاكر يواجه عقبات في الصرف على الوكالة، وترميم شرخ كبير في المبنى، فيستعين بالقائمين على المسجد المواجه للوكالة للقيام بالإصلاحات بعيداً عن أعين المسؤولين، الذين يخشى تدخلهم في التمويل الأجنبي الذي يحصل عليه.

 * زينة تحاول استمالة يوسف بعيداً عن رحمة، والتأثير عليه لدعم مشروعها، كما تساعده في بحث الماجستير الذي يتناول الشيخ الموصلي، وتسعى لتشكيكه في وجوده.

* زياد يحاول الحصول على استفادة مادية من الوكالة، ليؤسس مشروع استديو الصوتيات الذي يحلم به، ويقيم علاقات مع شباب خليجيين لتمويل مشروعه، كما يستغل الراقصة التي تعرف إليها.

ومع جريان الأحداث، تتمكن زينة من تشكيك يوسف في الطريقة الموصلية، فيما يُعاني الشيخ ذاكر من متاعب صحية ويفقد سيطرته على الوكالة، ويتمادى زياد في استغلالها لدرجة دفعها لتقع فريسة أحدهم الذي يستغلها في أعمال غير سوية.تتكشَّف الأحداث عن كون زينة ابنة الشيخ ذاكر من ألمانية تزوّجها في شبابه.

وأنها جاءت خصيصاً للسيطرة على إرث أبيها، وأن أمها - الزوجة الألمانية السابقة- هي القائمة على المؤسسة الأجنبية التي تموّل الوكالة، وتساعد زينة في السيطرة عليها.

في النهاية، يتسبَّب بعض المتشددين في إحراق ورشة الآلات، بهجومهم على الوكالة بعد درس حاشد شهِد هجوماً على الصوفية وصناعة المعازف، ويعجز يوسف عن حماية المبنى.