«من يتابع ما تحقق على أرض دبي خلال الفترة الماضية من ازدهار وتنمية يدرك دور المغفور له الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في تلك الإنجازات؛ فرغم إمكاناته الضئيلة وموارده اليسيرة، استطاع برؤيته الثاقبة وفكره الوثاب وطموحاته التي لا حدود لها، أن يقطع مسافات بعيدة ويستشرف المستقبل الذي كان يحلم به للوطن والمواطنين».. بهذه الكلمات افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كتاب «راشد.. قائد استشرف المستقبل»، الصادر أخيراً عن هيئة دبي للثقافة والفنون.
التحدي
تحت عنوان «راشد بن سعيد آل مكتوم.. التحدي في الزمن الصعب»، سطّر معالي عبدالرحمن العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، في مقدمته كلمة عبّر فيها عن الإجلال والإكبار لذكرى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، ذاك الطود الشامخ في وجه تحديات حقبة صعبة وظروف دقيقة، قهرها ليبني دبي الحديثة، مؤكداً أن سجله، رحمه الله، يزخر بصفحات ثرية مشرقة متواصلة بالمنجزات، امتدت عبر مسيرة حافلة بالعطاء، وأنه وضع يده في يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومضى بكل عزيمة لاستكمال حلم الدولة الواحدة، الذي تحقق في الثاني من ديسمبر عام 1971.
ويسرد العويس تاريخ الشيخ راشد بن سعيد وتوليه حكم دبي في الرابع من أكتوبر عام 1958، بعد رحيل والده الشيخ سعيد بن مكتوم في العاشر من سبتمبر من العام نفسه؛ إذ عمل الشيخ راشد بعد وفاة والده جاهداً على تقوية مركزية دبي ومكانتها التجارية. وأضاف العويس أن أيادي الشيخ راشد بن سعيد البيضاء ورؤيته الثاقبة لم تزل نبراساً لأبناء الوطن يقتبسون منه الهمة والعزم وقهر المستحيل.
قائد فذّ
قسَّم الكتاب الجزء الأول إلى 3 فصول، خصص الفصل الأول للحديث عن دبي ما قبل النفط، والفصل الثاني عن نسب آل مكتوم الكرام، والفصل الثالث جاء بعنوان «الإرث الصعب». يذكر الكتاب في فصله الأول من الجزء الأول أن الموقع المميز على ساحل الخليج العربي منح المدينة بركاته التي تمحورت حول الكنز الأزرق المتموج، فكان أهل المدينة يعيشون على خيرات البحر. وأسهب الكتاب في وصف الحياة الاجتماعية والاقتصادية في حقبة ما قبل النفط وصفاً دقيقاً.
وينتقل الكتاب في الفصل الثاني من الجزء الأول للحديث عن آل مكتوم الكرام، فيبدأ بوفاة الشيخ مكتوم بن بطي في 1852، زارعاً بذرة طيبة في أبنائه الذين أسهموا في التغيير الدائم لدبي وتحويلها إلى مدينة عالمية. وذكر الكتاب أن لكل حاكم من حكام آل مكتوم الكرام مساهماته المهمة في النمو التجاري بسياسات حكيمة ذات جدوى.
ويصل بنا الكتاب إلى فصله الثالث من الجزء الأول وهو بعنوان: «إرث صعب»، متحدثاً عن مواقف الشيخ راشد إبان أزمة اللؤلؤ الطبيعي، عقب انتشار تجارة الصناعي منه، فلم ينحنِ، رحمه الله للأزمة، بل حض ملّاك السفن على العودة إلى عرض البحر، لصيد السمك، في حل سريع لأزمة الغذاء.
«الاتحاد.. ولادة أمة»
ننتقل في هذا السرد التاريخي إلى الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان «الاتحاد.. ولادة أمة»، وكانت بدايته بالفصل الأول «ظهور السياسي المستنير»، حيث تجلت قدرات الشيخ راشد بن سعيد في حفظ استقرار دبي بعد سنوات صعبة ماجت بالأحداث العالمية الشديدة التي تخطتها الإمارة بفضل حنكته، رحمه الله.
ويذكر الكتاب أنه وبعد الحرب عادت عجلة النمو للدوران من جديد بقيادة الشيخ راشد، الذي كان يحكم دبي فعلياً في عقدي الأربعينيات والخمسينيات بتوجيه من والده، وبعد وفاة الشيخ سعيد وتولي الشيخ راشد لم يكن يهدأ له بال استشرافاً للمستقبل. ويذكر الكتاب أن تطور دبي كان يجري بسرعة لا هوادة فيها، بموارد قليلة لكن بحُسن تسيير وبعد نظر، وقد شكل الشيخ راشد مجلساً للمستشارين الناصحين، كان يتخذ قراراته بعد مشاورتهم.
في الفصل الثاني من الجزء الثاني من كتاب «راشد.. قائد استشرف المستقبل»، وتحت عنوان «بناء تحالفات»، يسلط الكتاب الضوء على التقارب الحاصل بين كل من دبي وأبوظبي، مع اهتمام العالم المتزايد بالنفط وصناعاته.
وقد أدرك المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أهمية هذه الفرصة لتشكيل دولة قوية ذات شأن تجمع شمل بقية الإمارات.
ففي عام 1968 أقيم الاجتماع الذي حفر في تاريخ الدولة وغرس بذرة الاتحاد الأولى، بين الشيخ زايد والشيخ راشد، وتم الاتفاق على إنشاء نظام فيدرالي يتيح الفرصة لكل من يريد الانضمام إليه من بقية الإمارات. توالت الاجتماعات بعدها إلى أن جاء اليوم المشهود، يوم الثاني من ديسمبر، الذي أعلن فيه قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
في الفصل الثالث من الجزء الثاني يصف الكتاب الشيخ راشد بأنه «رجل التطوير والحداثة»، وفيه يذكر الكتاب جهود الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهما لتحويل الإمارات إلى دولة عصرية متطورة بسياسات خارجية حيوية.
إرث للمستقبل
في الجزء الثالث والأخير من الكتاب نقرأ عن مبادرات الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، التي يمكن اعتبارها أساس البنية التحتية لدبي، والتي تعد من الأقوى عالمياً. وأنه في العام الأول لحكمه سعى الشيخ راشد لإنشاء مركز طيران مدني دولي. وبحث حلول وتقنيات الموارد المائية للمدينة وتوفير وحدات سكنية لأهلها. وفي 1954 أمر بإنشاء بلدية دبي لتخطط المدينة وطفرتها التي كان يسعى لها. وتم كذلك إنشاء المستشفيات، كما اهتم، رحمه الله، بالتعليم.
ويضيف الكتاب أنه ورغم نجاح ميناء راشد ونجاحه في جذب التجارة وتحقيق الأرباح، أمر الشيخ راشد ببناء ميناء جبل علي، ليصبح عند إنجازه أكبر ميناء في العالم. كما اهتم الشيخ راشد بخور دبي؛ وعياً منه بأن كل تطور فيه سينعكس على ازدهار دبي، فوضعت خطة لتوسيعه بدأ تنفيذها في 1959.
وفي عام 1974 أصدر الشيخ راشد موافقته على بناء مركز دبي التجاري العالمي، البرج الأطول في الشرق الأوسط حينها. وفي عام 1971 افتتح المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مطار دبي الدولي الجديد.
ويختتم الكتاب سرده للإنجازات الكبيرة للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، بأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استقى إلهامه وأخذ برؤيته من والده الشيخ راشد بن سعيد بذات العزيمة الفولاذية نحو جعل دبي ودولة الإمارات في مراكز تليق بها عالمياً.