في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتاة حالمة تتمشى في شوارع وسط القاهرة، تقف قبالة أحد بائعي الكتب، عيناها تجول بين الكتب القديمة المتراصة على الرصيف، من بين كل الأوراق المتناثرة، يأخذها سحر رواية قديمة مُعنونة بـ«الحب والصمت».
لم تكن هذه الشابة سوى إيمان مرسال، مؤلفة كتاب «في أثر عنايات الزيات» الصادر حديثاً عن دار الكتب خان في القاهرة، وكانت الرواية للكاتبة عنايات الزيات (1936 ـ 1963)، التي حاولت مرسال تقّفي أثرها عبر صفحات هذا الكتاب، في رحلة صحفية توثيقية لحياة كاتبة غامضة، لم تنل في حياتها أي قدر من الاحتفاء، كالذي أحاط سيرتها وهي راقدة في قبرها.
بعد أكثر من عشرين عاماً مرّت على اللقاء الأول الذي جمع مرسال بالزيات على أرصفة أحد شوارع وسط المدينة، تعود مرسال للقاهرة مجدداً بعد رحلة أكاديمية وبحثية عاشتها في كندا، لتقرر أن تكتب، بعد تنقيح، كل ما يمكن أن يصل إليه بحثها عن عنايات الزيات.
من خيوط كثيرة اجتمعت بين يديها؛ حاولت مرسال نسج رواية قريبة الشبه إلى سيرة عنايات الزيات الحقيقية؛ بداية من علاقة الصداقة الوطيّدة بينها وبين الفنانة الراحلة نادية لطفي.
وأثر تلك العلاقة في حياة عنايات، مروراً بقصة زواجها بشخصٍ قاسٍ، لم تستطع طباعها الرقيقة الانسجام معه، إلى جانب حكاية روايتها الوحيدة التي تعثر نشرها في دار النشر القومية في العام 1960، وصولاً إلى معاناتها مع مرض الاكتئاب، الذي قادها في النهاية إلى الانتحار بعد تناولها عشرين قرصاً منوماً، في 3 يناير 1963.
في رحلتها، التقت مرسال بعض الشخصيات القريبة إلى عنايات، على رأسهم الفنانة الراحلة نادية لطفي، صديقة عنايات المقربة، والمترجمة عظيمة الزيات، الأخت الصغرى لعنايات، كما استرشدت الكاتبة بمدام النحاس، أقدم ساكنة في الحي، وآخر من رأى عنايات قبل وفاتها وبعد أن قصت شعرها.
أنهّت إيمان مرسال تتبعها أثر عنايات الزيات بزيارة إلى قبرها في القاهرة، هناك ذرفت الدموع على حكاية إنسانة حاولت أن تشبع شغفها بها، بالبحث المطول في أرشيفها المفقود، الذي قالت عنه في كتابها: «تدمير أرشيف عنايات الشخصيّ، بدا لي مثل كارثة في أول الأمر، لكن غيابه جعلني أتتبع أثر ما تم طمسه».
إيمان مرسال شاعرة وأكاديميّة ومترجمة مصريّة، أستاذ مساعد الأدب العربي في جامعة ألبرتا بكندا، صدر لها خمس مجموعات شعريّة، إلى جانب عدد من الترجمات.