«سيرة الأمير حمزة البهلوان» أو «حمزة العرب»، سيرة شعبية، تعد من أوائل السير العربية، بل وتعدت الحدود العربية إلى آداب أخرى، وترجع أهميتها ليس فقط لسمة الريادة، بل أيضاً ما تتضمنه من محاولة لتأريخ الإمبراطورية العربية/ الإسلامية وفق رؤية شعبية وأسلوب روائي شيق وجذاب. وقد حفظها العامة والرواة وذاع صيتها وانتشرت شفهياً، قبل أن توثق وتسجل في كتاب.

شخصية متخيلة

وقد رجحت البحوث والدراسات الرأي بكونها عربية، لعدة أسباب من أهمها: لأن بطلها الأصلي عربي، ولد في ربوع مكة في تاريخ موغل في القدم، تاريخ مجهول (قبل الإسلام). وله ملامحه العربية، كما تتسم سلوكيات الشخصية بسمات الشخصية العربية.

وحمزة في هذه السيرة يجسد شخصية متخيلة لبطل عربي، ولد وعاش في أعماق الصحراء العربية، حيث القيم السياسية لجماعة عرب الجزيرة، خلال زمن بعيد وقبل ظهور الإسلام، حيث الصراع مع الفقر والشرك بالله. ليبرز دور حمزة، الذي ينجح في إنجاز الانتصارات في كل شبه الجزيرة العربية، من اليمن جنوباً حتى بلاد الرافدين شمالاً. فيصبح هو الموحد القادم من أهل الخلاص والقوة.

السيرة القصصية

وتقول السيرة القصصية، إن الملك كسرى أنوشروان كان يحب الرفقة والمسامرة، وفي ليلة من الليالى دخل حجرة نومه، وبعد أن استغرق في نومه، حلم حلماً فزع بسببه واستيقظ مرعوباً منه وخائفاً، وما إن غفى ثانية حتى رأى الحلم نفسه! وفي الصباح قص على وزيره بزرجمهر ما رأى، لعله يرشده ويقدم له تفسيراً، لكنه فضل أن يخرج بموكبه، غير أن الناس كانت تتعجب من خروجه في مثل هذا الوقت ولا أحد يعلم السبب.

وبقي سائراً إلى أن دخل الإيوان وبعث إلى حاشيته وبطانته من أهل المناصب والمراتب، ولم يتجرأ أحد منهم أن يسأل الملك عن حاله، إلى أن وصل بختك، واستقرّ إلى جانبه ثم قال: أفدنا عن حالك وما السبب لغيظك واضطرابك وكدرك الذي نراه يعلو وجهك؟ فقال أحب أن أستفسر من وزيري بزرجمهر عن الحلم الذي أزعجنى. فقال بختك أخبرني بهذا الحلم.

فقال له: رأيت نفسي جالساً في إيواني إلى مائدة من الذهب عليها صحن من العاج، وداخل الصحن إوزة كبيرة تاقت نفسي إلى أن أتناولها، وبينما أسد يرمقتي إذا بفارس، هجم عليها فجفلت ورجعت إلى الوراء، وبعد ذلك تقدم من الإوزة فأخذها وأراد الخروج من إيواني وأنا أتحرق وأتململ والجوع يأخذ بي ويزدني ضعفاً ولا أقدر على استخلاص طعامي منه. ومن ثم رأيت أسداً عظيماً قد دخل من الباب قبل أن يخرج الفارس، فاستيقظت مرعوباً.

فارس شجاع

بعد روايته للحكاية دخل وزيره ببزرجمهور، وتلقاه كسرى وقال له الملك: رأيت في الليلة الماضية حلماً هائلاً راعني جداً. ولما سمع الوزير من الملك حلمه أمعن التفكير ثم رفع رأسه فقال: اعلم يا مولاي أن الله سبحانه وتعالى يدير العباد بعنايته، فالمائدة هي مدينتك والصحن والأوزة هما خزينتك وسريرك، والفارس الذي اختطف الوزة هو فارس يظهر في بلاد الحجاز عظيم القدر.

وهكذا استطاع الوزير تفسير حلم كسرى ليظهر فعلاً الأمير الفارس حمزة البهلوان حمزة العرب ولتتوالى أحداث هذه الحكاية التي تروي شجاعة هذا الأمير الفارس الذي استطاع التغلب على كسرى وملكه ليعلي كلمة الحق والإسلام في بلاد فارس.

صياغات عدة

ويختلف النص الفارسي لهذه السيرة عن السيرة العربية، فهناك فروق واضحة بين النصين (العربي والفارسي)، وقد عرفت سيرة «حمزة البهبوان» بـ«حمزة نامة» أو «قصة الأمير»، في التسمية الفارسية. ويبدو أن للسيرة بعداً مضافاً، هو ما وراء كون للسيرة صياغة فارسية، ألا وهو في مرحلة تالية من السيرة، ينتقل حمزة من الجزيرة إلى بلاد فارس، يدخل بلاد فارس ويفتحها.

لم يكن الأمر هيناً وسهلاً، فقد بدأ بأن خلّص كسرى وبلاده من عدو خارجي شرس، احتل عرشه وكاد أن يقوّض سلطانه. ثم يتابع حمزة غرباً ليفتح بلاد الشام والروم ومصر والحبشة والمغرب والأندلس، وتقام إمبراطورية إسلامية.

وفي مرحلة تالية من السيرة، يعود حمزة إلى مغامراته ولا تنتهي الرحلة، ومهمته التنويرية. يرحل إلى بلاد شرق فارس ليفتحها، ويخلصها من أديان الشرك ومظاهر الظلم والقهر.

خصوصيات فلسفية

إذا كانت الروايتان العربية والفارسية لهذه السيرة مشتركتين في البنية، إلا إنهما تفترقان في بعض المسائل، تلك التي تجعل كلاً منها أثراً مستقلاً يعكس الخصوصيات الفلسفية والأسطورية والدينية والتاريخية للشعب الذي أنتجها، فالرواية العربية، تكاد تكون مرآة تعكس أحوال المنطقة العربية والوعي العربي في مسيرته القومية والدينية والتراثية والاجتماعية منذ الأزل وربما حتى الآن.

معبأة بقيم عليا إنسانية وروحية معاً. ورغم المشترك في المضمون والبنيوية للرواية الفارسية، إلا أنها تكاد تفترق عنها، وتشكل أثراً له رؤية مستقلة بدت خصوصيتها، من خلال احتوائها على بعض العناصر الأسطورية والدينية والجغرافية لبلاد فارس والشرق عموماً.

كما بدت السيرة في روايتها الفارسية، وكأنها فارسية المنبت والجذور. ففيها من الأوصاف للعادات والتقاليد، الملابس والمأكل والمشرب، الشخصيات وبعض الأحداث.. وغيرها، تسعى لتشكيل وجدان المتلقي على كونها فارسية.

ملامح حضارية

فحمزة بدا عربياً في الرواية العربية رغم احتواء السيرة على الكثير من العناصر الآرية والبابلية والمصرية، وفي حين نراه في الرواية الفارسية تحت وطأة القيم الحضارية الفارسية المختلفة، كما بدت في كلتا الروايتين ملامح لافتة: وهي التصادم بين الفكر القومي العربي والفارسي، وهي تعكس رؤية شعبية لقضية مسلمة ومقيدّة في كتب التاريخ والأدب والفرق بين هذه الرؤية الشعبية، والرؤية الرسمية التاريخية هو أن السيرة الشعبية هذه إنما تعرض لصراع قيم وأخلاق.

فحمزة هنا فاتح إسلامي ينشر قيم الحق، ويقارع قيم الشر والطغيان، بينما كسرى رمز للحاكم القوي إلا أنه غالباً ما كان يسقط في مهاوي الضلال والاستبداد نتيجة وجود وزيره بختك، الذي يجسد شخصية البطل السلبي، ويعد ممثلاً لقيم الشر والفتنة. وهو على نقيض وزيره الآخر بزرجمهر، الذي يحمل قيم العدالة والإيمان، ويساند الحق.

أبعاد إنسانية

إن وجود شخصيات فارسية إيجابية أخرى كابنة كسرى، وفي المقابل وجود شخصيات عربية سلبية، كل ذلك ينفي البعد العرقي أو القومي للسيرة، ويؤكد على البعد الإنساني والحضاري. ثم بدا التصادم في السيرة، لم يكن بين العرب والفرس فحسب، بل امتد ليشمل شتى الأمم والأعراق البشرية، بل نراه يطال عوالم الجن والخوارق. ورغم كل الخصوصيات التي تميّزها، بدت كبناء فني يعبر عن أهداف سامية، كما تركن الرواية الشعبية في المخيال الجمعي إلى قيم البطولة والشهامة والانتصار إلى الحق.

ملحمة

أهم ما يمكن مدحه في هذه الملحمة الطويلة المكتوبة قبل عدة قرون، وقبل ظهور أول رواية عالمية مُعترف بها ومروج لها في الساياقات الأدبية، وهي «دون كيشوت»، هو هذا السرد البسيط غير المسجوع كأنها من الكتابات العصرية، وخلوها من الأسلوب السجعي والشعري، وعالم الجن الغرائبي المحدودُ الأثر، كما أن تطورُ الفصولِ في السيرة يعتمد على فعل الشخصيات وصراعاتها.

تاريخ السيرة

توجد طبعتان لهذه السيرة، ظهرتا في القاهرة عام 1962م (ستة مجلدات في 2880 صفحة من القطع المتوسط) بعنوان «قصة الأمير حمزة الشهير بحمزة العرب»، من تأليف أبي الحسن على بن الأثير الجزري صاحب كتاب «الكامل في التاريخ»، و«تحفة العجائب وطرفة الغرائب» مطبعة مصطفى البابي الحلبي. أما الطبعة الثانية فلم تحمل اسم مؤلفها ولا تاريخ طباعتها، بعنوان «قصة حمزة البهلوان المعروف بحمزة العرب»، طبعة مكتبة الجمهورية لصاحبها عبدالفتاح مراد..

وجاءت في أربعة مجلدات تشتمل على 1200 صفحة من القطع المتوسط. ويبدو أنه قد تم التدخل في إعادة صياغتها، واختصارها في الحقبة العثمانية، كما أن عنوانها قد تغير، واختفى اسم مؤلفها. كما صدر حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، كتاب «قصة الأمير حمزة البهلوان»، ضمن سلسلة الأدب العربى للناشئين، وتأتى هذه السلسلة في إطار السعى نحو تنمية ودعم الوعى الثقافى للصغار.

جماليات السرد

تعد هذه السيرة السيرة الوحيدة التي احتفت بالسرد على حساب الشعر، وتمثلت فيها جماليات النص الأدبي الكتابي سواء في الأسلوب السردي، ووحدة الموضوع ، وتوظيف الوصف لخدمة الأحداث، مع وانعدام صيغ الحكاية في السير الشعبية، قل الاحتفاء بالشعر داخل النص على عكس المألوف والشائع في كتابات السرد في تلك الفترة، إضافة إلى أنها من أقل السير لجوءاً إلى الجن والسحر وغيرها من الأساطير أو التقنيات التي سادت في قصص والسيرالشفوية.

شخصيات

«حمزة البهلوان» من أبطال السير الشعبية، وعرفتهم مرويات التراث العربي الإسلامي بأسماء كثيرة، ويرجع بعض الباحثين أن هذه الشخصيات الخيالية والأسطورية، بعض منها لها جذور حقيقية، هامشية في الحياة، لكنها صاغت أدبها الخاص الأكثر حميمية وقرباً للجماهير البسيطة في شكل السير الشعبية.