يدرج كتاب"من أفلاطون إلى ابن سينا.. محاضرات في الفلسفة العربية"، لمؤلفه جميل صليبا، سلسلة مقارنات وأوجه اتفاق واختلاف، بين رؤى ابن سينا وأفلاطون، مشدداً على أن الأول كان يؤمن بالعقل والعلم، ويعتقد أنّ السعادة القصوى لا تكون إلا عن طريق العلم.

ويؤكد الكتاب، أننا إذا تعمقنا في دراسة فلسفة ابن سينا، نجدها تختلف عن فلسفة أرسطو في كثير من المسائل، منها: فكرة الفيض، خلود النفس.

ويلفت صليبا إلى أن الفارابي لم ينجح في الجمع بين رأيي الحكيمين «أرسطو أفلاطون»، لأنه بنى مذهبه الانتقائي على كتاب «الإيثولوجيا» المزيف. فلم يشك في هذا الكتاب، ولا تصوّر إمكان وقوع التناقض عند أرسطو.. ولكننا نستطيع أن نستفيد من تجربته، لنعلم أنه كان مؤمناً بوحدة الفلسفة، وبعدم تغيرها وفقاً للزمان والمكان، كما قال بوحدة العقل واتفاق الناس فيه. وآمن باتفاق الحكمة والشريعة.

ويرى صليبا أن رأي الفارابي لا يخلو من السذاجة، غير أن قوة وصفه ناشئة عن صدق تصوره، وقوة إيمانه وثقته بطبيعة الإنسان وفطرته. إذ إن مدينته الفاضلة هي مدينة الصالحين الذين يحكمهم فلاسفة حكماء، ولذلك كانت مدينته خيالية بعيدة عن الحياة والتجربة، إنها أقرب إلى السماء منها إلى الأرض.

ويوضح المؤلف في هذه المحطة، أنه لما انتقل العلم إلى العرب، عادت إلى بعضهم، تصورات بابل وأحلامها، ففكروا في إحياء السماء على هذه الصورة العجيبة، حتى إن الغزالي استغرب هذه النظرية.. كما قال ابن رشد: «والعجب كل العجب كيف خفي هذا على أبي نصر وابن سينا، لأنهما أول من قال هذه الخرافات فقلدها الناس ونسبوا هذا القول إلى الفلاسفة».

ونتبين هنا، أن ابن رشد يشير إلى انتقادات الغزالي المرة، التي حطم بها آراء ابن سينا في كتاب «التهافت»، وهو يريد أن يبين أن انتقاد الغزالي لا يهدم شيئاً من الفلسفة، بل يهدم هذه الآراء العجيبة التي جاء بها أبونصر وابن سينا. وخفي على ابن رشد أنّ هذه الخرافات إنما هي دليل على أنّ للفارابي وابن سينا، شيئ من حرية الفكر وابتعاد عن فلسفة أرسطو.

ويلفت صليبا إلى أن ابن سينا ربما أنه في ما أبدع خيرٌ وكمال وعقل، إلا أنّ هذا الخير لا يتجلّى للكائنات إلا لكماله وهذا العقل لا يعقل الجزئيات إلا لعقله ذاته، وربما يظهر أنّ في تصوّف ابن سينا رجوعاً إلى الحياة والفاعلية والرحمة، إلا أن الأمر على خلاف ذلك، لأن التصوّف عند ابن سينا، تصوّف عقلي، لا تصوّف قلبي.

ويتطرق المؤلف إلى فحوى نظرية النفس عند ابن سينا، التي جمع فيها آراء الفلاسفة إلى أصول الدين، فاقتبس من أرسطو حدوث النفس ومن أفلاطون خلودها، وضم إلى ذلك شيئاً من تصوّف الشرق ومذاهب الهنود، مشيراً إلى أن سعادة النفس هي في اتباع الفضيلة لا في اتباع الشهوة، ونظرية ابن سينا في السعادة لا تختلف عن رأي سقراط ورأي أفلاطون وأرسطو.

وهي مفعمة بروح التصوّر الأفلاطوني المقتبس عن مدرسة الإسكندرية، فالنفس تغيب عن ذاتها وتبتهج بمشاهدة الله واتصالها به، ولكنها لا تفنى في الله، ولو ارتقت إلى أعلى من ذلك لسقطت وهلكت، فابن سينا يصرح بالاتحاد، ولكنه لا يصرح بالمحو والفناء، فكأن الإنسان في سلوكه يتقرب دائماً من النور، ولكن من غير أن يصبح هو نفسه، منبعاً للنور.

 المؤلف في سطور

الدكتور جميل صليبا (1902 1976)، مرب وباحث تربوي سوري. ولد في قرية القرعون في منطقة البقاع اللبنانية، ثم انتقل وأسرته إلى دمشق عام 1908.

وأوفدته وزارة المعارف السورية إلى فرنسا لدراسة الفلسفة، حيث حصل على إجازة في الآداب من جامعة السوربون، وتوجّ ذاك بأطروحة الدكتوراه «النظرية الاجتماعية في المعرفة» عام 1927. أسس مجلة «المعلم العربي»، وفي عام 1950 صار عميداً لكلية التربية، وانتقل إلى بيروت، إذ ندبه المركز الإقليمي لليونسكو لتدريب موظفيه. ومن كتبه: الفلسفة العربية الإسلامية، المعجم الفلسفي.

 الكتاب: من أفلاطون إلى ابن سينا

المؤلف: الدكتور جميل صليبا

الناشر: وزارة الثقافة - الهيئة العامّة السورية للكتاب دمشق 2012

الصفحات: 192 صفحة

القطع: الصغير