يحاول كتاب «الظل أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية» للناقدة والأستاذة الجامعية د.فاطمة عبدالله الوهيبي، أن يمتلك فكرة متماسكة ومدروسة عن الظل، خاصة أن تتبع الظل ليس بالأمر اليسير..
إذ إن ثيمة الظل ظاهرة في الشرق والغرب قديما وحديثا في ثقافات الشعوب في مختلف حقول المعرفة والإبداع، ووضعت المؤلفة من بين أهم أهدافها مهمة الإضاءة هنا وهناك عبر الحقول المعرفية المختلفة في حركة إضاءة سريعة وكاشفة لتجلية المفهوم وحركته وتطوره ومتابعة التنوع الذي لحقه، وسعت في حفرها المعرفي «الإبيستيمولوجي»، إلى توصيف المقولات حول الظل وتحديد هويته..
والكشف عما إذا كان ثمة وحدة كلية تجمع تفكير الثقافات حوله على تنوعها وامتدادها، وسعت من بعد ذلك إلى إبراز بنية الظل وهويته كما عكستها تلك المقولات في الحقول الإنسانية المختلفة.
يأتي الكتاب في عشرة فصول، تتبع فيها المؤلفة ثيمة الظل في مختلف الحقول المعرفية، حيث تبدأ بالظل في الميثولوجيا ثم في التراث والدين، وفي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف..
ولدى بعض الفرق الدينية. وأيضا: الظل في المدونة الكلامية والصوفية، وفي الفلسفة وعلم النفس والتراث العربي واللغة والكتابة في الغرب، وفي الأدب الروائي العالمي والعربي، وفي الشعر أيضا العالمي والعربي قديما وحديثا. وينتهي بما أطلقت عليه المؤلفة «أنطولوجيا الظل: الهوية والبنية».
تقول المؤلفة «إن للظل معاني ذات طبقات متداخلة. وحرصت على الكشف عن ملامح من هذه المعاني بقصد الكشف عن هوية الظل كما تتمظهر في الميثولوجيا والدين والتصوف والفلسفة وعلم النفس والأدب».
وترى المؤلفة أن اجتماع الدلالات والأبعاد الخاصة بالظل، التي اوردتها بالتفصيل، ضمن ثيمته أعطاها تفاعلها ودفع بمفهوم الظل نحو مزيد من العمق.
وتوضح المؤلفة أن «الظل بشكله العياني المتجسد فيزيقيا ذو بعد مكاني يتمفصل ضمن حركة الزمن، فظهور الظل عينيا ومكانيا مرتبط جوهريا بدورة الزمن، حركة الشمس والقمر والليل والنهار من جهة وامتداد العمر، ولحظة الموت من جهة أخرى إذا ما انتقلنا به من الشكل إلى المفهوم المشحون بالميتافيزيقا»، وهذا التمفصل مكانيا وزمانيا في الوقت ذاته يعطي الظل سمة خاصة، تمنحه تحيزا مكانيا من جهة..
وبعدا زمانيا من جهة أخرى، فيكفل له هذا التمفصل تلك الازدواجية بين الفيزيقا والميتافيزيقيا الماثلة أصلا في شكله وجوهره. هذه السمة الازدواجية جزء جوهري من بنية الظل فهو حتى على مستواه الشكلي الماثل فيزيقيا رمز للازدواج والانشطار، فهو كظل منشطر عن الجسد أو تضاعف متحرك له«.
وتخلص المؤلفة إلى أن هذا التحيز المكاني والتمفصل في الوقت مفهوميا على حركة الزمن، يثير في الذهن علاقته بالحركة مفهوميا المرتبطة دوريا برموز التحرك الزمني »الليل والنهار، العمر والحياة والموت والدنيا والأخرة". ويستدعي التفكير بعلاقة الظل بما هو جزئي وفردي صرف..
وبما هو كلي وجماعي، أي بين ما هو مركز على الإنسان وبين ما له من بعد ميتافيزيقي، فالدائرة الإنسانية الفردية في حركتها قصيرة الأمد والدائرة الزمنية الكبرى تاريخية وذات عمق لاهوتي، خاصة أن ارتداد الظل في بعده الميتافيزيقي يعيده إلى الالتحاق بالأصل. وبذلك تلتقي الدائرتان: الإنسانية الفردية القصيرة الأمد والدائرة الكبرى الأزلية.