يسبرالباحث أحمد بوبس في تاريخ حي الميدان الدمشقي، الذي هو أكبر أحيائها مساحة وسكاناً، والذي هو أقدمها خارج السور. إذ تعود بداياته الأولى إلى العصر الأموي..

حين كانت أرضه ميداناً لسباقات الخيل والفروسية، وكان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يحضر سباقات الخيل التي كانت تقام في أرض هذا الميدان الفسيح. كما كان يخيم بأرض الميدان منذ ذاك العصر زوار المدينة كالقوافل التجارية والقادة والأمراء ممن تضيق المدينة القديمة داخل السور عن استيعابهم، وقد شكَّلت هذه المخيمات النواة الأولى لبناء هذا الحي العريق.

وقبل ظهور حي الميدان كمنطقة سكنية، كان يطلق على أرضه اسم «ميدان الحصى»، وميدان الحصى كان موقعه في مكان منطقة باب مصلى حالياً، والذي يعرف أيضاً الميدان التحتاني، لكن التسمية شاعت بعد ذلك لتشمل كل المكان الذي احتله حي الميدان الذي يقع اليوم إلى الجنوب الغربي من مدينة دمشق القديمة، ويمتد إلى الجنوب على شكل لسان طويل في غوطات دمشق الشرقية والغربية والجنوبية.

وكما يذكر الباحث أحمد بوبس فإنَّ الحي لم يظهر بشكل واضح كمنطقة سكنية إلا في العهد المملوكي الذي امتد زمنياً من سنة 1260 إلى سنة 1516. وفي هذا العصر ظهرت ثلاثة تجمعات سكنية هي من الشمال إلى الجنوب: منطقة السويقة، منطقة باب مصلى، قرية القبيبات.

ومع انضواء دمشق تحت لواء الحكم العثماني الذي امتد من سنة 1516 إلى سنة 1918، شهد حي الميدان توسعاً كبيراً، نتيجة زيادة عدد سكانه بسبب الوافدين الجدد إلى دمشق مع الولاة العثمانيين وحاشيتهم وجنودهم. فاتصلت المناطق السكنية الثلاث التي ظهرت في العصر المملوكي. وفي نهاية العصر العثماني أخذ حي الميدان شكله النهائي تقريباً..

وقُسِّم إدارياً إلى ثُمنين من ثمانية أثمان قُسِّمت إليها مدينة دمشق، وهما: ثُمن الميدان الفوقاني وثُمن الميدان التحتاني. وفي العصر العثماني شهد الحي ازدهاراً اقتصادياً كبيراً، منذ بدء انطلاق قافلة الحج ومرورها عبر شارعه الرئيسي. وكان الحي يشهد أربعة مواسمَ تجارية كبيرة في السنة، استلزمت ظهور عدد من المهن التي كانت تقدم خدماتها للحجاج منها متعهدو المطايا «المقومون»، والجمالة «الدوجية»، والبغالون «القاطرجية»، ومؤجرو الدواب «العكَّامة»، والحمالون «العتالة»، والمهاترة «الخيمية».

إضافة إلى السقاة والأدلَّاء والأجراء وغيرهم. كما ظهر عدد من الأسواق التجارية التي تبيع مستلزمات الحجاج أثناء ذهابهم للحج، أو تشتري مايأتي به الحجاج من أشياء على سبيل التجارة بعد عودتهم. وبعض هذه الأسواق كانت موسمية مرتبطة بفترة الحج، ثمَّ تحولت بعد ذلك إلى أسواق دائمة.

وكان عَبَرَ هذا الحي زوارٌ مثل: الأمير فيصل بن الشريف حسين، حين دخل دمشق في الأوَّل من أكتوبر عام 1918، والذي أصبح بعدها مَلِكاً لسوريا. وجرى له استقبال شعبي كبير في بوابة الميدان، وعبر شارع الميدان، وتوقف مرات عدة ليتناول القهوة المُرَّة من وجهاء الحي. وعبَرهُ اللورد «بلفور» وزير خارجية بريطانيا عام 1925، الذي قوبل بتظاهرات صاخبة ورمي بالحجارة من أهالي الحي بسبب وعده الجائر للصهاينة بإقامة وطن لهم في فلسطين، والمعروف بوعد بلفور.

أنجب حي الميدان عدداً من الشخصيات المهمة على الصعيد السياسي والفكري والوطني والاجتماعي، والتي لعبت دوراً رئيساً في الحياة السياسية والفكرية والعلمية والاجتماعية في سوريا في مراحل مختلفة، وتسنَّم بعضها مناصب ومواقع رفيعة كرئاسة الجمهورية.

ومن هذه الشخصيات: المجاهد محمد الأشمر، الشيخ عبد الغني الغنيمي، الشيخ عبد الرزاق البيطار، محمد علي العابد وهو أوَّل رئيس جمهورية لسوريا يتمُّ انتخابه، تولى سدَّة الرئاسة في يونيو1932 وحتى ديسمبر 1936. صلاح الدين البيطار ، تسنَّم العديد من المناصب السياسية، فقد انتخب عضواً في المجلس النيابي السوري عام 1954، وعين نائباً لرئيس الجمهورية في الجمهورية العربية المتحدة أيام الوحدة بين سوريا ومصر، وميشيل عفلق مفكِّر وسياسي ولد في زقاق الموصلي بحي الميدان بدمشق عام 1912.

نازك العابد وهي أوَّل امرأة سورية تحمل رتبة عسكرية، إذ حملت رتبة ملازم أوَّل في جيش المملكة السورية عام 1918.