يرى مؤلف كتاب «الجذور التاريخية لأدب الأطفال عند العرب»، د. محمود إسماعيل آل عمار، أن الاهتمام بأدب الأطفال موغل في القدم، إذ إن الأهمية والمضمون والهدف وكثيراً من الأشكال.

وجدت منذ وجدت الطفولة، وواكبت الإنسانية في مسيرتها ارتقاء وتقدماً، وأن الجديد في (أدب الأطفال )، إنما هو المصطلح، وأن هذا الأدب قرين التربية وصنوها وملازم لها، تعتمد عليه في تحقيق كثير من أغراضها وقيمها وأهدافها.

ومن بين مجالات الاهتمام بأدب الأطفال، يذكر المؤلف:

أولا، أغاني المهد: وهي تلك الأناشيد التي كانت تهتف بها الأمهات في جوف الليل حول مهاد الاطفال، وعلى ايقاع حركة اسرتهم عند النوم أو البكاء، فتحيل هياجهم إلى شقشقة عصافير.

وتغريد بلابل وتسلمهم إلى السكون والدعة والنوم العميق، أو تجري على ألسنة الآباء عند مداعبة أبنائهم، أو عند التفوق على الأتراب، أو ظهور ملامح مرحلة من النمو، او التطلع الى الغيب واستشفاف المستقبل، وتخيل الطفل في مراحل عمرية مقبلة شابا او عروسا او منافحا عن القبيلة. إنها مقطوعات قصيرة يصنعها الحب وتزجيها الغريزة وينميها حفظ النوع وحب البقاء.

ثانياً، الأناشيد الجماعية: كان للعرب أناشيد جماعية ينشدونها في الأعمال المشتركة، كبناء البيوت وحفر الآبار وفتح المياه وحلب الأغنام وحداء الإبل، وفي مجالسهم واسمارهم ورحلاتهم وفي مناسباتهم وافراحهم واحزانهم، وفي مناسباتهم المتنوعة.. سواء عرف قائل هذا الشعر او ضاعت نسبته الى قائله.

وكان الأطفال يشاركون الكبار في هذه الاعمال وما يرتبط بها من اهازيج واناشيد، وربما اخذ بعضها طابع النشيد الوطني، وشاع على الألسنة، وتداولته المناسبات والمجالس، كما هو الشأن في الأغاني الشعبية او الفولكلور، دون ان يعرف مبدع هذه النصوص والاطفال يسمعون ذلك ويرددونه وحدهم، أو مع مجتمع القبيلة من وقت لآخر.

ويبين مؤلف الكتاب، أنه أورد ابن هشام في السيرة، أن النبي عليه الصلاة والسلام، أمر ببناء مسجد، في المدينة. فعمل فيه المهاجرون والأنصار، وارتجزوا وهم يبنونه، يقولون:

لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة

وقال قائل في أثناء ذلك:

لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا.. العمل المضلل.

ثالثا، الاسترضاع في البادية: كان من عادة العرب ان يرسلوا أبناءهم الى البادية لتصح السنتهم وتقوى ابدانهم، وتصان سلائقهم، ويتعلموا اللغة ويكتسبوا مفرداتها صحيحة، ويسمعوا الشعر ويحفظوه ويرووه ويعرفوا اخلاق البادية، ويتطبعوا بطباعها وعاداتها ويتربوا في اجوائها، فتصفو قرائحهم وترهف فطرهم، ويشهدوا الطبيعة عذراء.

ويلامسوا الوجود في ثوبه الأول، ويروا يقظة الكون وهو في مهده، فيخاطبونه ويحاورونه، ويتلقون دروسهم العميقة منه حول مسيرة الحياة والأحياء وقدرة الخالق واسرار الوجود.

فمن رحم الصحراء تنبثق الحياة الفطرية بأنواعها فيتعايشون معها، ويتأملون صنعها، وربما رعوا الغنم، أو رافقوا الرعاة، وتعلموا منها ومنهم، كثيرا من الأخلاق والعادات والطبائع والدلائل والشواهد والآيات، وكل ذلك داخل في تربية الأطفال، بل يعد جزءاً من الممارسة العملية لأدب الأطفال، ينتقل بهم من الكلمة الى فعل

التأدب عند المعلمين، إذ ظهرت في المجتمع العربي طائفة من المعلمين تسمى (المؤدبين)، كانوا يتولون تعليم ابناء الخلفاء والموسرين ما يناسبهم من تراث الأمة، وما تطمح اليه نفوس آبائهم من الثقافة العربية الإسلامية، فيلقنونهم الشعر والخطب والقصص والنوادر واخبار العرب وايامهم وانسابهم في الجاهلية والإسلام.

ولهذا كان هؤلاء الصغار اذا كبروا وصاروا خلفاء او ولاة يجالسون الأدباء والعلماء والمتفلسفين واصحاب المذاهب فيبارونهم، ويحاذرونهم ثقافة وعلما ومنطقا.

وكان عماد هؤلاء المؤدبين الاهتمام بالثقافة الدينية والأدبية واللغوية.

ويتابع المؤلف الكتابة في هذا الموضوع، من خلال عدة جوانب: وصايا الفتيات عند الزواج، نصائح الآباء بنيهم، نصائحهم عند حضور الوفاة، المصادر الدينية، قصص الحيوان والطير.

ويختتم المؤلف كتابه بموضوع: نحو أدب أطفال معاصر، يدعو فيه المجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية والخيرية والاجتماعية والأسر، إلى التعاون في حل المعوقات التي تقف في وجه أدب اطفال معاصر وذلك بالسبل الممكنة والمتاحة، ولعل إدخال أدب الأطفال في مناهج الدراسة في الجامعات يفتح الباب لأدب ناضج، يحقق ما نصبو اليه تنظيراً وإبداعاً.

المؤلف في سطور

د. محمود إسماعيل آل عمار، كاتب وباحث أردني، حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية. لديه دراسات عديدة في مجالات الأدب والثقافة في العالم العربي.

الكتاب: الجذور التاريخية لأدب الأطفال عند العرب

تأليف: د. محمود إسماعيل آل عمار

الناشر: المجلة العربية - الرياض - 2016

الصفحات:

108 صفحات

القطع: المتوسط