يرى مؤلف كتاب «الترجمة العربية من مدرسة بغداد إلى مدرسة طليطلة»، انه يمكن التأريخ للترجمة العربية بجعله على مرحلتين تختص كل واحدة منهما بحقبة معينة، وفي الوقت نفسه، بلون الممارسة الترجمية، وذلك بحسب المنطق التاريخي الذي تحكم في تسلسل هذه الحقب أما الحقبة الأولى فهي التي ظهر فيها «بيت الحكمة» بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وقد كان لحركة الترجمة إلى العربية دور مهم في الحفاظ على التراث العلمي والفلسفي اليوناني والفارسي والهندي، عن طريق ترجمته وتفسيره والتعليق عليه، وتمثل الحقبة الثانية «مدرسة طليطلة» الأندلسية التي قامت بالدور ذاته بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، عندما أعادت النقول العربية والعبرية إلى اللغة اللاتينية والقشتالية،مما أسهم في تأهيل الفكر الأوروبي للخروج من سبات العصر الوسيط، وخوض معركة النهضة.
وأدت هاتان الحقبتان العربية والأندلسية- في رأي المؤلف المتواضع - إلى بروز وتبلور انماط من الوعي متباينة، ولكن متكاملة على مستوى التفكير في ممارسة الترجمة وفي علاقاتها بالتحولات التاريخية والثقافية والأدبية، ومن حيث الإعراب عن المبادئ والمعايير التي تخترقها وتؤثر في اشتغالها، قبل أن تقوم بطرحها في سياق نظري منسجم، لم يتوقف عن غرسها في صلب الممارسة لاستمداد منطلقات جديدة تحررها من الرؤية الوثوقية وتفتحها على آفاق بديلة، ويشير المؤلف إلى أن النشاط الترجمي كان واليوم اكثر من أي يوم مضى، المفتاح لكل أبواب التواصل الإنساني في العالم.
ويذكر المؤلف ما قاله الخزاعي التلمساني ( ت 789 ه / 1387 م )، أن زيد بن ثابت «كان يكتب للملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ترجمانه بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن».
وتدلنا هذه الوقائع على أن عصر النبوة قد عرف الترجمة على الاقل في جانبها الإداري والديبلوماسي - إذا صح التعبير-، وأن مجتمع المدينة حيث نشأت الدعوة الإسلامية، كان يضم أناسا من لغات متعددة وبالتالي، يحتاج في معيشه إلى التواصل والتفاهم، أي عملياً إلى الترجمة.
ولكن عموم المصادر التاريخية، كما يقول المؤلف، لا تسعفنا في تطوير فكرة دقيقة عن وجود وممارسة الترجمة على نحو منتظم ومعترف به في هذه الحقبة، وإن كنا نحدس أن عصر الفتوحات الإسلامية الأولى - لا شك- حمل المسلمين على التواصل مع أهل البلاد المفتوحة في العراق والشام وافريقيا وغيرها، من الذين لم تكن اللغة العربية هي لسانهم، ومن هنا كذلك احتمال وجود عناصر مزدوجة اللغة في الجيش والدولة تنهض بمهمة الترجمة بين الاطراف المختلفة.
وكما يشير عنوان الكتاب الرئيسي، إلى أن غايته هي السعي إلى جعل المقاربة التاريخية تحقق الربط بين الحقبتين البغدادية والطليطلية وتتابع رحلة نشوء التفكير الترجمي الذي استغرق زمناً مديداً، لكي يظهر بمظهر التأمل الوجيه والناجع، ويغادر منطقة المحاولة والتجريب إلى لحظة النضوج والاستقرار.
يساعد هذا الكتاب على تمكين القارئ العربي من تكوين فكرة اجمالية عن المسار التاريخي الذي حققته الترجمة بوصفها ضرورة حضارية وتواصلية، وفي الوقت نفسه يتيح له الاطلاع بطريقة متدرجة وسلسة على عصارة النظريات التي انبثقت في هذا الظرف أو ذاك من العالم، ويضع أمامه صورة عن السياقات والظرفيات السوسيو ثقافية التي كانت وراء انتاج اهم التطورات بخصوص الترجمة، أما القيمة النوعية المضافة لهذا العمل الأكاديمي، فهي اتخاذ المقاربة التاريخية معبراً إلى اجتراح مقاربة نظرية وصفية تأخذ على عاتقها الجواب عن سؤال مركزي هو: كيف يكون التاريخ منجباً للنظريات ؟
المؤلف في سطور
د. حسن بحراوي. باحث مغربي حاصل على دكتوراه الدولة في الترجمة والأدب المقارن، له مؤلفات عديدة في الأدب الحديث والمقارن، يعمل استاذاً بجامعة محمد الخامس في الرباط.
الكتاب:
الترجمة العربية من مدرسة بغداد إلى مدرسة طليطلة
تأليف:
د. حسن بحراوي
الناشر:
المجلة العربية - الرياض 2016
الصفحات:
106 صفحات
القطع:
المتوسط