إنَّ أوَّل علاقة بين أرمينية وسوريا كما يروي مؤلِّف كتاب«أرمن دمشق»، د. سركيس بورنزيان، تعود إلى عهد الإمبراطور ديكران الثاني الكبير«95- 55 ق.م»، عندما توسَّع في فتوحاته جنوباً حتى وصل إلى دمشق وجبيل والساحل السوري.. وغيرها من المدن والمناطق في بلاد الشام، حيث مَكَثَ قرابة ال 18 عاماً، ذلك بناءً على طلب أهل سوريا.

كما أنَّ جيوش زنوبيا ملكة تدمر كانت تضم فرقة مؤلَّفة من الجنود الأرمن. وكان ابنها حاكماً على جنوب أرمينيا. وعند نشوء الدولة الإسلامية سُيِّرت إلى أرمينيا حملات عسكرية لغايات استراتيجية الهدف منها الحدُّ من الهجمات البيزنطية على الحدود الشمالية للدولة العربية الجديدة. كما أنَّ العرب لم يحاولوا التعرُّض للأرمن في شؤونهم الخاصة وأوَّلها دينهم المسيحي وكنيستهم الرسولية الوطنية، خلافاً لما فعله الروم معهم.

ويقسِّم المؤلِّف هجرة الأرمن إلى سوريا إلى مرحلتين:الأولى، قبل القرن التاسع عشر، حين تدفقت الموجات إلى سوريا عام 539م باتجاه أنطاكية وأورفة، إثر هزيمة اليونان أمام الفرس. وذلك بسبب تحالف الأرمن مع اليونان. ثمَّ كانت الموجة الثانية بين 717- 728م، والموجة الثالثة 973-992م، فالموجة الرابعة وكانت بعد سقوط أرمينيا عام 1045م بيد البيزنطيين.

والموجة الخامسة حدثت عام 1250م عندما غزا المماليك أرمينيا الصغرى «كيليكيا» ودمروها. أمَّا المرحلة الثانية فكانت في القرن التاسع عشر وبعد مؤتمر برلين 1877م.

حيث خرجت القضية الأرمنية التي كانت تُعتبر أساس المسألة الشرقية من الإطار المحلي إلى الإطار الدولي، فقرَّر السلطان عبد الحميد الثاني، حسب ما جاء في الكتاب، القضاء على الأرمن. وكانت أكبر موجة هجرة عام 1915م إثر المحنة الإبادية الكبرى بحق الشعب الأرمني.

وفي العام 1740م وصل عدد أفراد الأرمن في دمشق إلى 80 عائلة.. وعام 1778 ظهرت طائفة الأرمن الكاثوليك، ثمَّ تنامى العدد. واشتهر الأرمن في نشاطهم المهني، خاصة في الصياغة وسكب النحاس وحياكة النسيج والخياطة. وبرز منهم العديد من الشخصيات في المجال الحكومي والفكري، مثل الأديب والكاتب أديب اسحق«1856-1885».

ومع مرور الزمن اندمج الكثير من المهاجرين الأرمن في المجتمع الدمشقي. وتحوَّلت أسماء المهن التي كانوا يمارسونها إلى ألقاب عائلية، ومنها: عائلة الحايك، سيوفي، تفنكجي، نحاس، جزماتي، صرَّاف. أو أخذت أسماء العائلات من المدن التي هاجروا منها.

وانتشر الأرمن في دمشق ضمن فئتين: الأولى، أقامت في منطقة القدم ومنطقة باب شرقي والزبلطاني. والفئة الثانية أقامت في دور عربية أو خانات داخل أسوار دمشق في منطقة باب شرقي وباب توما والعبَّارة.

بعد أن استقرَّ الأرمن في دمشق بعد الحرب العالمية الأولى باشروا في تنظيم حياتهم الاجتماعية، وشكَّلوا جمعيات اجتماعية وثقافية، منها: جمعية الترقي الثقافية عام 1930. وفي مقابل الثقافة، تأسَّست جمعيات اجتماعية، مثل: الجمعية الخيرية الأرمنية عام 1913..وغيرها من المدارس والنوادي...

وفي دمشق، عمل معظم الأرمن في القطاع الخاص. ولم يكن لهم إلا وجود قليل في القطاع الحكومي، وقد اشتغلوا في مهن كثيرة، مثل: المقاولات، التصوير الضوئي، سكب المعادن، صناعة الأمشاط، البصريات. ومن أوائل من عملوا واشتهروا بها، أرتور خوشماتيان من أرمن خربوط. وقد أسٍّس معملاً لتصنيع العدسات الطبية الزجاجية في شارع 29 أيار.