يستعرض كتاب «مكتباتهم»، للباحث والناقد المغربي محمد آيت حنّا، عنواناً مخاتلاً يستعرض فيه واحداً وثلاثين مكتبة للشاغلين والفاعلين والمؤثرين في الفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية، مثل: هاوكينغ، بنيامين، كورتثار، ابن سينا، أمبيرتو إيكو، ترانسترومر، باموك، شوبنهاور، ستاندال، بنعبد العالي، دريدا، غاليفر، التوحيدي، بورخيس.

إضافة إلى: كيليطو، يوسا، سارتر، زفزاف، المأمون، ابن بطوطة، باييخو، أفلاطون، الجاحظ، بيناك، فاندرس. فما كَتَبَهُ المؤلف هنا هو مكتبةٌ مُفهرسةٌ كما يقول، ولكن دون نظام منطقي، لعديد المكتبات التي تواطأَ المؤلَّف مع أصحابها على بنائها أو إبرازها أو حتى نقضها وهدمها. فمن المؤكَّد أنَّ الكتاب الورقي إلى زوال.

حيث إنَّ قرصاً مدمجاً واحداً، دون شطط في التخيُّل، يستطيع حمل مكتبة بأكملها. هكذا يتجوَّل كل شخص حاملاً مكتبته دون أن يُشدِّد الخناق على فضائنا المشترك. ولذا، إذا كان كتاب ستيفن هاوكينغ «الكون قشرة جوز»، وأنَّه بالإمكان سجن الكون كلَّه في هذه القشرة، فمن المؤكَّد أنَّ بوسعنا اختزال المكتبات فيزيائياً في أبعاد لا تُضيِّق علينا الخناق.

غير أنَّ فالتر بنيامين، يرى أنَّ معنى المكتبة كما وجودها، لا ينكشفان إلا في مصيرها بعد وفاة صاحبها.. وأنَّ مكتبته مميَّزة ليس كونها تحوي عدداً هائلاً من الكتب، وإنَّما لكون بنيامين كان يُبدي ولعاً خاصاً بكتب الأطفال وكتب المجانين.. أولئك الذين.

وإن اعترف لهم بامتلاك الحقيقة، إلا أنَّهم انسحبوا إلى هامش القول. بالمقابل، هناك كتابٌ قاتل وكتابٌ ملعون.. وهنا سنتذكَّر «اسم الوردة» لإمبرتو إيكو حيث عَمَدَ أحد الرهبان إلى إخفاء الكتاب الملعون «الكوميديا» لأرسطو بين باقي كتب المكتبة، فموضوع الكوميديا موضوعٌ خطير لأنَّه يرتبط بفضيلة الضحك المكروهة فلم يحرقه ولم يخْفِهِ وقام بدسِّه بين باقي الكتب بعد أن دهن صفحاته بالسم.

، فكان كلُّ من يتصفَّح الكتاب يلقى حتفه، فتكون ضريبة الضحكِ الموتُ وأخذ سر الكتاب إلى القبر. وبذا كما يرى آيت حنَّا مع كل قارئٍ يموت تخسرُ باقي الكتب إمكان أن تُقرأ.. إمكان أن يمنحها قارئٌ فرصة الحياة واستنشاق الهواء.

مؤلِّفنا آيت حنَّا، يرى أنَّه لن يوازي حسرة الكُتب التي يُلقى بها خارج مساكنها سوى حسرة الرومانسيين المدافعين عن المكتبات العمومية.. وقد يكون هدم المكتبات هو الخير الأعظم للكتب، فالأعمال العظيمة لا خوف عليها، تعبرُ من زمنٍ إلى آخر دون حاجة إلى مكتبة تحفظها، وستظلُّ تنتقلُ في الكلمات الشفاهية والأحلام والمصافحات العابرة. فالمكتبات كما قال ستاندال: لا تصلح إلا ملاذاً للكتب الرديئة، تلك الكتب التي لولا المكتبة لاختفت إلى الأبد.

عبد السلام بنعبد العالي لا مكتبة في بيته، أو ربَّما مكتبته سريَّة لا تظهر.. لا مكتبة ولا كتاب. وقد يتوافق هذا الإخفاء المُتعمَّد للمكتبة مع تصوِّرِهِ لفعالية القراءة والكتابة، باعتبار أنَّ الكتابةَ هي فعلُ إخفاء، يختفي المقروء لينكشف عبر اختفائه.

الكتاب: مكتباتهم

المؤلف: محمد آيت حنَّا

الناشر: دار توبقال المغرب- الدار البيضاء 2016

الصفحات:

142 صفحة

القطع: المتوسط