يتناول مؤلف كتاب «خطاب الرحلة المغربية إلى الحجاز» د. الحسن الغشتول عرضاً للسياقات التاريخية والملامح الاجتماعية العامة التي تتكشف عن طبيعة السرد الرحلي، ليشكل بذلك عاملاً موجهاً للرحالة ومفسراً لاختياراته الأسلوبية وتعليلاته الفكرية أو النقدية.

يحتوي الكتاب على مباحث تاريخية تتوزع على أربعة فصول، اكتفى المؤلف في الفصل الأول منها بمقدمات تم التركيز فيها على معين الرحلة المغربية الحجازية وذكر مسالكها في وجهة الحرمين.

ويتناول المؤلف في الفصل الثاني محنة الرحالة استناداً إلى أنموذجين تاريخيين كتبا في أزمنة سابقة ابتلي فيها المجتمع بمحن وفتن، تحيل إلى الكاتب محمد بن قاسم الحجري المعروف بأفوقاي الذي يقف عند منعطف دقيق في تاريخ الحضارة الإسلامية في المغرب، حيث واكب صاحبها عصرين وصف الأول منهما بعصر العافية والثاني بعصر القوام والهرج، إذ يقول: «ورأينا العافية والرخاء في تلك البلاد إلى أن مات مولانا أحمد، رحمه الله، في مولد النبي صلى الله عليه وسلم منذ سنة اثنتي عشرة وألف، وقامت القوام والهرج في المغرب كله، ثم ثبت في المملكة مولانا زيدان».

يشير المؤلف إلى أن الرحلة كانت هنا سبباً حقيقياً للزخم العمراني والفعل الحضاري، إضافة إلى إثارة كوامن الإحساس الديني، ومعنى ذلك أن رحلة أهل غرناطة من المهاجرين وجدت صداها في تطوان، وهو الصدى الذي امتد إلى عصرنا هذا.

إذن فالهجرة الغرناطية هي الباعث الحقيقي على التحول التاريخي والحضاري، حيث اجتمعت العوامل وتكاملت لتأسيس دعائم ثقافة جديدة ذات خصوصية دينية.

ويتطرق المؤلف في الفصل الثالث إلى صدمة اللقاء بالآخر، والسعي إلى مصالحة الحكمة على الكيفية التي تجسدت في نصوص رحلية سفارية إلى أوروبا.

ويخصص المؤلف الفصل الرابع للنظر في الملابسات والخلفيات التاريخية لدى بعض الرحالة الذين جنحت كتاباتهم مجنحاً جديداً لمّا ساروا في اتجاه غرس قيم النهضة والانبعاث والتجدد، وامتزج عندهم مفهوم الوطن بمفهوم الأمة، وهذا ما يتجسد من خلال تناول رحلة محمد بنوته والمختار السوسي.

ويشير المؤلف إلى أنه عندما يخوض في الجوانب التاريخية لمنطقة الشمال في المغرب، فإنه يستطيع أن يلامس مادة غنية جداً، ومواقف التبست، وهذا ما يتبدى من خلال طبيعة الأنشطة الفنية والثقافية والمهرجانات الوطنية، والإصدارات السابقة، والتنسيق الفعلي مع العصب والهيئات السياسية الوطنية والدولية، وغير ذلك من أخبار الوقائع والحوادث الموثقة في الخزانات والمكتبات في المغرب وإسبانيا وغيرهما من دول العالم، وهذا ما يظهر الخصوصية التي تميز تاريخ منطقة الشمال منذ مطلع القرن العشرين.