صدر في فرنسا والمغرب، في شهر أكتوبر من عام 2012، كتاب للمؤرخة الفرنسية ذات الأصل المغربي، زكية داوود، موضوعه الشخصية التاريخية الشهيرة "هانيبال، هنيبعل"، كما جاء في عنوانه. ونجد مؤلفة الكتاب، ترسم فيه صورة بينة الملامح بدقة، لتلك العبقرية العسكرية الشهيرة التي عاشت في فترة ما قبل العصر الميلادي.
مؤكدة، أيضا، أن هانيبال، هنيبعل، كان أيضا عبقرية سياسية منسية، علما أن مواهبه في السياسة، كما ترسم صورته، ليست أقل من مواهبه العسكرية. وتشرح على مدى العديد من الصفحات أن الهدف الأكبر لذلك القائد، كان رسم خارطة جيوسياسية جديدة لحوض البحر الأبيض المتوسط، تشمل روما الوليدة.
وتوضح المؤلفة ان هانيبال من مواليد عام 247 قبل الميلاد في قرطاج، ناقلة أنه عندما كان في التاسعة من العمر، أخذ والده، هامينكار، منه، وبينما كان يتأهب للتوجه إلى اسبانيا، عهدا في أن لا يكون أبدا صديقا للرومان. وذلك العهد- القسم، لم يحنث هانيبال به مطلقا.
يبدأ الكتاب بفصل: "بصمات الأب". إذ تشرح فيه المؤلفة ان هانيبال، هو الابن البكر، بين الذكور، في أسرته، والثالث فيها، بعد أختين. وكان قد تلقى منذ طفولته، تربية على الطريقة اليونانية، وأشرف عليها الإسبارطي سوزيلوس. كما أمضى فترة شبابه الأولى في صفوف جيش والده، في جنوب اسبانيا. وفي عام 218 قبل الميلاد، تخلّى هنيبال لأخيه هسدوربال عن حكم اسبانيا.
واجتاز القائد الشاب، جبال البيرينيه في جنوب فرنسا، على رأس مقاتلين أشاوس، قوامهم 90000 من المشاة و12000 من الفرسان: الخيّالة، و17 من الفيلة المحاربة. وكان ذلك بمثابة إعلان الحرب على روما،. كما اجتاز جبال الألب وصولا إلى إيطاليا، وانتصر على الرومان في العديد من المعارك، ما دفع بعض المؤرخين إلى مقارنته لاحقا، بنابليون بونابرت.
وتبين زكية، أن هانيبال تجنّب دخول روما، واتجه نحو جنوب إيطاليا، حيث سحق خصومه في معركة كان. ولكنه عندما كان في أوج مجده، واجه خصما جديرا به، تمثل في شخص سيبيون، القائد الشاب الذي هزمه لاحقا في معركة "زاما"، في عام 202 قبل الميلاد.
وتشير المؤلفة إلى أن انتصارات السنوات الأولى لدى هانيبال، قابلها انكفاءات في السنوات الأخيرة، ضمن محطات حرب الـ17 عاما ضد روما. وذلك اعتبارا من فترة ومرحلة استعادة الرومان لعدد من المناطق، انطلاقا من عام 211 قبل الميلاد. وكان المنعطف الأكبر في تلك الحرب وصول سيبيون وجيشه الروماني إلى إفريقيا عام 204 قبل الميلاد، ومن ثم الهزيمة الساحقة لهانيبال في معركة زاما عام 202. إذ أعقبها توقيع معاهدة السلام "المذلّة" له، في عام 201 ق.م.
وتعيد المؤلفة الصورة الأسطورية لهانيبال، التي ظلّت عالقة في الأذهان، إلى الوقت الحالي، مبينة أنه القائد الذي تجرأ على تحدي روما القويّة آنذاك. ولكنها تتطرق إلى ذلك أيضا، من منظور وزاوية الصفات الشخصية التي كان يتمتع بها، إذ كان صاحب رؤية إستراتيجية ودبلوماسيا ناجحا ومصلحا يحب شعبه. إذ إنه، أعاد بعد هزيمته العسكرية، تنظيم المؤسسات السياسية في بلاده. وكذلك حسّن الأوضاع الاقتصادية لشعبه وكافح الفساد دون هوادة.
وتشدد زكية داوود على حقيقة أن هانيبال غدا أسطورة القرون، حتى رغم عدم تمكّنه من تحقيق أي مشروع يرمي إلى رسم خارطة جيوسياسية جديدة لحوض المتوسط، بحيث يصبح سيده.. ونجد المؤلفة في هذا الصدد، ترسم معالم وكينونة تلك الأسطورة ومسارها، في صفحات الكتاب(13 فصلا). وتروي في الفصلين الأخيرين، كيف أن نهاية حياة هانيبال، تذكّر كثيرا بالتضحيات التي انتهت إليها مأساته.
فبعد أن كان قد لجأ إلى الملك انطوشيوس الثالث في سوريا، واجه الأخير الهزيمة، فاضطر هانيبال إلى الخروج متوجها نحو جزيرة كريت، ومنها إلى بيتينيا ليعيش في حمى الملك بروسياس. ولكنه عندما علم أن ذلك الملك كان يستعد لتسليمه إلى أعدائه التاريخيين، الرومان، فضّل الانتحار.
المؤلف في سطور
زكية داوود. صحافية وكاتبة ومؤرخة فرنسية، مغربية الأصل، تعيش في فرنسا منذ سنوات عديدة. من مؤلفاتها: سيرة حياة فرحات عباس، سيرة حياة المهدي بن بركة.
الكتاب: هانيبال "هنيبعل"
المؤلف: زكية داوود
الناشر: بيران - باريس- 2012
الصفحات: 360 صفحة
القطع: المتوسط
Hannibal
Zakya Daoud
Perrin - Paris- 2012
360 pp