النسر المصري عبد الناصر.. سيرة ووقائع ووجوه

بعد أكثر من أربعة عقود على رحيل جمال عبد الناصر لم يزل هذا الاسم يعني الشيء الكثير بالنسبة لكُثر في مصر وفي العالم العربي وفي الغرب أيضا. وهذا ما يشير إليه بوضوح صدور كتاب «النسر المصري، عبد الناصر» للمؤرّخ والروائي والكاتب الفرنسي «جيلبير سينوي » المولود في مصر والذي أمضى العديد من سنوات حياته الأولى فيها وقدّم العديد من الكتب عنها.

«ما أن ينطق المرء باسم رجل الدولة، هذا الذي حكم مصر خلال سنوات 1956 حتى رحيله عام 1970، كي تتزاحم بسرعة التعليقات والتساؤلات حول جمال عبد الناصر. فمن هو جمال عبد الناصر؟ الصورة التي يتم تقديمه بها هو أنه ذلك الدكتاتور الرهيب والمستبد والعدو الشرس للغرب.

 ولقد ترعرعت أنا نفسي وأنا أحمل تلك الصورة التي نقلها لي أهلي والمحيطون بهم. وكان لا بدّ من أن يمضي وقت طويل، طويل جدا، وبعد أن امتهنت دراسة التاريخ وتخلّصت من جميع تلك الأفكار الذاتية، كي تبرز أمامي حقيقة واضحة هي أنه لم يكن هناك جمال عبد الناصر واحد، بل اثنان».

بهذه الكلمات يبدأ جلبير سينوي كتابه الذي يرمي فيه من موقعه كمؤرّخ وكروائي أن يقدّم للقارئ الغربي خاصّة ما يعتبره «الوجوه المتعددة» للرئيس المصري الراحل. وفيما هو أبعد من مجموعة من الأحكام المسبقة في الغرب حول عبد الناصر يحاول المؤلف أن يقدّمه في «وجهيه الأساسيين».

الوجه الأول يجمله المؤلف بمجموعة من الوقائع والمواقف والأحداث البارزة في مسيرة «الريّس»، كما يصفه.هكذا يتعرّف القارئ على «عبد الناصر العسكري الذي عاش أحداث حرب فلسطين عام 1948 حيث قاتل في معارك الفالوجة كبطل»؛ وعلى عبد الناصر الوطني عام 1952 الذي وضع حدا نهائيا لسبعين عاما من الاحتلال البريطاني.

وكذلك عبد الناصر "القومي" الذي تحدّى الغرب عندما صرّح في 26 يوليو من عام 1956 قائلا ما مفاده: «إنني استردّ اليوم، باسم الشعب المصري، القنال. قنالنا المصرية ــ قنال السويس ـ واعتبارا من هذا المساء ستتم إدارتها من قبل المصريين».

والوجه الثاني، أو ما يصفه جيلبير سينوي بـ «عبد لناصر الآخر»، ويحدد السمات الأساسية لهذا الوجه الآخر لعبد الناصر بمجموعة من الممارسات والإجراءات التي عرفها عهده.

وهناك محطّات أساسية يتوقف عندها المؤلف طويلا في كتابة هذه السيرة التي يخص بها «النسر المصري، عبد الناصر»، كما اختار عنوانا لكتابه. وهي تتمثل حسب التسلسل التاريخي بتشكيله لـ «حركة الضباط الأحرار عام 1949» بهدف الانتهاء ذات يوم لاحق من السيطرة الإنكليزية، وما تحقق عام 1952.

ومما يؤكّده المؤلف بأشكال مختلفة في هذه السيرة أن الغربيين يجهلون في غالبيتهم العظمى حقيقة ما كانه عبد الناصر والدور الذي لعبه في في مصر وعلى صعيد العالم العربي. ويشير أن المقولات السائدة عنه هي في أغلب الأحيان مجموعة من «الكليشيهات» الفضفاضة .

من هنا حرص جيلبير سينوي، كما يشير، على أن يقدّم مسيرة حياة عبد الناصر منذ بداياته، اي من سنوات طفولته، وبقدر كبير من الإسهاب والتفصيل. ذلك بهدف البحث عن مجموعة من السمات التي تأسست عليها شخصيّة الرئيس المصري القادم.

ومن خلال المسار الذي عرفه جمال عبد الناصر والدور الذي لعبه كأحد «روّاد حركة عدم الانحياز » وما واكب ذلك المسار والدور أصبح بمثابة «الناطق باسم العالم العربي» و«بطل القومية العربية»، كما يحدد المؤلف القول. ويؤكّد أنه «رغم أشكال الفشل الذي عرفته سياسته الداخلية» يبقى أحد أشهر قادة العالم العربي في التاريخ الحديث.