عندما يرد على الخواطر واللسان اسم نعوم تشومسكي، فإن الاسم يشير على الفور إلى مثقف أميركي مستنير، ورائد متفرد في علم الألسنية ــ اللغويات والصوتيات في اللغة الإنجليزية..
وأيضاً، وهذا هو الأهم - كما نتصور-، يرتبط اسم البروفيسور تشومسكي، الأستاذ في معهد ماساشوستس في أميركا بمواقفه كمفكر ومعلّم يتبع باستمرار نهج الموضوعية في نظرته إلى قضايا العالم، وفي معالجته لمختلف المشاكل التي ما برحت تؤرق هذا العالم في الوقت الحاضر، وفي مقدمتها قضية فلسطين وحالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لا باعتباره صراعاً بين طرفين متكافئين، ولكن بوصفه نزاعاً بين طرف ظالم (إسرائيل) وطرف مجني عليه (الفلسطينيون).
في ضوء هذا كله.. يكتسب الكتاب الذي نعايشه في هذه السطور أهميته لأسباب شتى، منها: إنه من أحدث ما صدر حاوياً أفكار البروفيسور نعوم تشومسكي، سطور الكتاب جسّدت الحوار الذي دار عبر العديد من الجلسات الحوارية التي ضمت تشومسكي مع الإعلامي الأميركي البارز دﻳﭭيد بارساميان الذي أصدر بدوره عدة كتب مهمة مشاركاً في تأليفها مع شخصيات بارزة أخرى مثل: إدوارد سعيد وطارق علي.
كما أن حوارات كتابنا جاءت لتصدر عن نظرة استشرافية لا تحيل كثيراً إلى دفاتر الماضي بقدر ما تحاول استطلاع ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع والأحداث في المستقبل.
وهناك سمة رئيسية نوعية، تتمثل في كون هذه النظرة لتشومسكي تتسم أيضاً بطابع الشمول، فصحيح أنها لا تفتأ تحيل إلى المشهد الأميركي الذي يستوعبه جيداً كل من البروفيسور تشومسكي والمحاور بارساميان عبر سطور هذا الكتاب. ولكن هذه المحاورات تهتم بالتركيز على موضوع أساسي ما برح يحوز اهتمام العالم، وهو ما يلخصه العنوان الفرعي لكتابنا في العبارة التالية: التهديدات المتصاعدة ضد الديمقراطية.
أما العنوان الرئيسي للكتاب، فلخصته المحاورات في عبارة أخرى يمكن ترجمتها على النحو التالي: أوجه السخط على مستوى العالم.
يضم الكتاب 12 مقابلة حوارية. ويتجسد محوره الأساسي في محاولة ترمي إلى تدارس وتأمل ما آلت إليه أحوال عالمنا الراهن- «هذا العالم الذي سنتركه لأحفادنا»، على حد تعبير تشومسكي، رغم أن أحواله وأوضاعه تدعو- موضوعياً - إلى الإشفاق. وكيف لا.. وقد أصبح عالمنا مهدداً بخطر تغيرات المناخ الكوكبي، فضلاً عن تزايد إمكانية نشوب ما يمكن أن يوصف بأنه «الحرب النووية».
تتطرق هذه المحاورات أيضاً إلى أبعاد المشهد العولمي الراهن، الذي يعايشه سكان عالمنا ابتداءً من المسؤولين وجموع المثقفين، وليسن انتهاءً بالبشر - الناس العاديين.
ثم تزداد أهمية حوارات كتابنا حين تتطرق أفكار تشومسكي إلى قضايا راهنة: ما بين تفاقم أوضاع اللامساواة الاقتصادية بين الناس والدول والشعوب..وإلى أحوال وتقلبات رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، وإلى الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تشكل موضوع الفصل الثاني من هذا الكتاب.
وضمن الفصل المحوري من كتابنا هذا، الموسوم بـ«جولة في الشرق الأوسط»، نجد أن المحاور يطرح السؤال الجوهري:
- دكتور تشومسكي: لماذا تصّر الولايات المتحدة على مواصلة تأييدها لسياسات إسرائيل؟
ثم يأتي رد تشومسكي : تتمثل الأسباب الأساسية في العوامل الجيوستراتيجية، فضلاً عن أن إسرائيل تربطها صلات وثيقة بالدوائر العسكرية ودوائر الاستخبارات في الولايات المتحدة.
ومن ثم يسرد تشومسكي عدة أسباب تبرّر هذه الصلات الحميمة، ومنها ما يتسم بطابع المكاسب الاقتصادية من ناحية، وبطابع الوشائج الدينية المتمثلة فيما يوصف، بأنه المسيحية - الصهيونية من ناحية أخرى. ويؤكد أن "البيزنس" هو فعليا من يحكم أميركا.
أخيراً.. يسترعي أنظارنا كقارئين، أنه ينظر تشومسكي إلى المشهد السياسي الداخلي في أميركا، بوصفه نظاماً لا يقوم على ديمقراطية الحزبين: الديمقراطي والجمهوري، بقدر ما أنه مجرد نظام من حزب واحد ولكن منقسم إلى فصيلين، وهو يطلق عليه حزب البيزنس - بمعنى حزب مصالح رجال التجارة والأعمال.