في عالم النقد الأدبي، وفي مجالات التحليل الدقيق لمنتوجات الإبداع وتجليات المعارف الإنسانية، درج معظم الناس على التعامل مع الناقد أو الكاتب أو المحلل على أنه «رجل» بالدرجة الأولى، وبمعنى أن الرجولة تشكل، العنصر المهيمن في تناول واستيعاب ما يتم إنتاجه في كل من هذه المجالات.
الكاتبة الأميركية ميشيل دين أصدرت أخيراً أحدث كتبها كي تفّند هذه التصورات، واختارت لهذا الإصدار عنواناً من كلمة واحدة تفيد بالحّدة (sharp)، والتي يمكن ترجمتها بمعنى: «صارم» أو «حاد»، ثم سارعت إلى إضافة عبارة شارحة على النحو التالي: «النساء اللائي أبدعن فناً من خلال ما أبدين من آراء».
والحاصل أن صدور هذا الكتاب جاء مع أوائل شهر أبريل 2018 في غمار التيارات التي ما برحت تتفاعل وتضطرم في جنبات المشهد الاجتماعي ـ السياسي العام في أميركا، وخاصة ما يتعلق منها من إساءات مرفوضة أخلاقياً تعرّضت لها جموع من النساء.
في هذا السياق ارتأت مؤلفة الكتاب أن تلقي لمحات من الضوء على مسيرة ومسلكية وآراء كوكبة من النساء اللامعات والموهوبات، ممن شكلت آراؤهن معالم ساحة الإبداع الأدبي في الولايات المتحدة على مدار القرن العشرين.
والمعنى الذي يتبادر إلى ذهن قارئ الكتاب، في هذا الصدد، إنما يتمثل في أن كلاً من سيدات هذه الكوكبة النسائية ظلت أعمالها وآراؤها تشكل إضافة لها قيمتها الإيجابية في أكثر من مجال إبداعي، حيث تراوحت الإضافات في هذا الصدد ما بين إسهامات إلى مجال الفن الدرامي المسرحي، إلى إضافات دوّت أصداؤها في ميادين الكتابة والدراسات السياسية، فضلاً عن مجالات العمل الصحافي والنقد الأدبي والتحصيل الثقافي وغيرها من المجالات.
وفي نفس المضمار تحرص المؤلفة على الإشادة بالجوائز الرفيعة ومظاهر الاحترام والتقدير التي حظيت بها هذه الأديبة أو تلك المفكرة من بين النساء العشر اللائي شكلت أعمالهن وإسهاماتهن محوراً لفصول هذا الكتاب.
ومن الطريف أن تعرض المؤلفة أسباب اختيارها كلمة «حاد» (sharp) في الإنجليزية عنواناً لهذا الكتاب، موضّحة أن وصف الرجل بأنه «حاد» في لسانه أو انتقاداته إنما يومئ إلى قوة شخصيته، وقد يشير إلى نصاعة منطِقه. ولكن إطلاق نفس الوصف «حاد» على المرأة والقول بأنها «حادة» قد يشير على الجانب الآخر من نفس المعادلة إلى قدر من الخشونة حتى لا نقول الفظاظة إلى درجة ليست بالهينة في كل حال.
ورغم أن المؤلفة خصصت لكل سيدة من النساء العشر فصلاً بأكمله تابعت عبر سطوره سيرة حياة تلك المرأة، وألقت أضواء الدرس والتحليل على ما جادت به بطلة الفصل من مساهمات في مجالات العمل العام، إلا أن الكاتبة لم تتورع عن الوقوف ملياً عند العديد من المحاور التي تقاطعت فيها سِيَر وإسهامات وتوجهات بعض بطلات هذا الكتاب، ومنهن، على سبيل المثال، «زورا نيل» الروائية الأميركية المنتمية إلى أصول أفريقية والكاتبة المسرحية «ليليان هيلمان».
ولنا أن نلاحظ من جانبنا كقارئين كيف تتوقف المؤلفة ملياً عند الوشيجة التي تجمع بين بطلاتها العشر، حيث يتمثل هذا الجامع المشترك في عنصر محوري يجمع ما بين موقف الرفض لما هو قائم أو متعارف عليه أو حتى مسكوت عنه فيما يتعلق بوضع المرأة، ومركزها على مستوى المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه، إضافة إلى ما يمكن أن تصادفه المرأة، من تجاهل لوجودها في بعض الأحيان، أو من غمط لحقوقها أو إنكار لإمكاناتها وتخطٍّ لمواهبها في أحيان أخرى.
والحاصل، كما توضح المؤلفة أيضاً، أن الكوكبة النسائية التي تعرض لها مقولات هذا الكتاب إنما تضم مناضلات كافحن لإقرار حقوق المرأة في أميركا وخارجها، من خلال ما قدمن من إبداعات في الفن أو إسهامات في التعامل مع المشهد السياسي العام.