جاء مهاجراً من بلده الأصلي، كندا. احترف المهنة الصحفية في أميركا، وتدرج في سلكها إلى أن اختاروه كاتباً للخطب الرسمية والبيانات الرئاسية في البيت الأبيض إبّان حقبة الرئيس الأميركي رقم 43 جورج دبليو بوش.

إنه دﻳفيد فروم الذي عاد إلى ساحة الاهتمام العام عند مطلع هذا العام، مع صدور أحدث كتبه تحت العنوان التالي: «ترمبوقراسي». وهو ما يمكن الاجتهاد في ترجمته إلى مصطلح هجين مستجد هو: «الترمبوقراطية».

مرة أخرى يشحذ المؤلف المذكور سنين قلمه في صياغة عنوان لافت دال على ما يراه نهجاً سياسياً جديداً ارتبط بداهة بالرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.

وقبل أن يتساءل قارئ هذا الكتاب عن مقاصد المؤلف من العنوان الغريب، كان بديهياً أن يسارع المؤلف إلى إضافة عنوان شارح لمقصده، حيث يقول فيه: «فساد الجمهورية الأميركية».

ولقد نلاحظ بداية أن كتابنا يصدر وسط ملابسات سياسية وإصدارات فكرية تتوجه في أغلبها إلى توجيه الانتقادات إلى المنظومة السلوكية الفكرية التي ما برح يجسّدها الرئيس الأميركي الحالي بكل ما تحفل به تلك المنظومة من تناقضات وتجاوزات ومفاخرات.

ويأتي في مقدمة تلك الإصدارات الكتاب الشهير بعنوان «النار والغضب» ثم الكتاب الذي يحمل عنوان «كيف تموت الديمقراطيات» لاثنين من كبار أساتذة العلوم السياسية في أميركا هما ستيفن ﻠﻳفتسكي وزميله دانييل زبلات.

أما مؤلفنا فهو يستهل طروحات كتابه من واقع خبرته الذاتية، أي من تجربته الشخصية حين كان يشغل، كما أسلفنا، منصب كاتب بيانات وخطابات الرئيس الأميركي، حيث يوضح المؤلف كيف أن البيت الأبيض كانت تحكمه ضوابط دقيقة وأعراف رئاسية موروثة يخضع لها -مع كامل الاحترام- كل المتنفذين في ذلك الموقع الرئاسي في واشنطن؛ يستوي في ذلك الرئيس الأميركي ومعاونوه.

وهنا ينعي مؤلفنا على رئاسة ترامب الحالية أنها تنكرت أو تجاهلت هذه الضوابط والأعراف.. وهو ما يراه المؤلف متجلياً في تدخل وإقحام عائلة الرئيس شخصياً في تسيير الأمور لدولة عظمى في حجم الولايات المتحدة وفي تجاهل لما يطلق عليه مؤلفنا الوصف التالي: قواعد اللعبة.

ومن مظاهر هذا التجاهل في تصورات دﻳفيد فروم ما يصفه بأنه: الاجتراء على الدستور، ثم الشلل الذي أصاب جهاز وإمكانات الحوكمة الموكل إليه تسيير الأمور في الدولة الأميركية، حيث لم تقتصر الحال، عند المؤلف أيضاً، على موظفي البيت الأبيض بل تعدى الأمر إلى تيارات الحزب الجمهوري في أروقة واجتماعات مجلسَي الكونغرس.

هنا تعمد فصول الكتاب إلى استخلاص الصور والنتائج السلبية الناجمة عن هذه الأوضاع، وفي مقدمتها – يضيف المؤلف عبر الفصول والصفحات – تفاقم حالة التوتر العِرقي (بين البيض والسود، ثم بين مجمل الأميركيين ومجمل اللاتينيين الوافدين من قارة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ولاسيما مهاجري المكسيك).

مثل هذه المتغيرات التي استجدت على المشهد الأميركي العام بعد انقضاء السنة الأولى من حقبة «ترامب» أدت، في رأي مؤلف هذا الكتاب، إلى حالة من اللاأمن من الناحية النفسية أو حالة اللايقين من الناحية الاقتصادية وخاصة بين صفوف الفئة السكانية المعروفة في المصطلح الديموغرافي الأميركاني بالوصف التالي: «بيبي بومرز» وهم أفراد طفرة المواليد التي شهدها المجتمع الأميركي بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية وعودة الشباب المجند منتصراً في الحرب مقبلاً على الزواج وراغباً في إنشاء أسرة جديدة، مما نتج عنه تلك الزيادة المشهودة المتمثلة في «طفرة المواليد» مع النصف الأخير من عقد الأربعينيات. ومنذ سنوات عديدة وصل أعضاء هذه الطفرة بالطبع إلى سن التقاعد وما بعدها.

مع هذا كله، يسارع مؤلفنا إلى القول بأن الرئيس ترامب قد لا يشكل «سبباً» لتلك الأوضاع التي ينتقدها، ولكنه بالأحرى يمثل جانباً من أعراض أو مظاهر يجسد تلك السلبيات، حيث المطلوب هو المسارعة إلى التنبيه من مغبة هذه السلبيات حتى ولو بعد انقضاء سنة واحدة لا غير على وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، وإلا أدى الانتظار إلى استمرار تلك الأوضاع المرفوضة فضلاً عن تفاقمها.