«روتا وروتيللا».. كلمات تنصرف في اللغة اللاتينية إلى معاني العجلة الدوارة.. ومنها اشتقوا مصطلح «روليت» الذي ينسبونه باستمرار إلى العوائد الروسية بحيث يتوصلون إلى اللعبة الخطيرة المهلكة التي تحمل الاسم الشائع التالي: «الروليت الروسية»، وهي لعبة تكاد توصّل لاعبيها إلى ما يشبه الإقدام على الانتحار الذاتي، من خلال المراهنة على حياة البشر أنفسهم في معظم الأحيان.
وعلى أساس هذه الخطورة اختار الكاتب الصحافي مايكل أيسيكوف وزميله دﻳفيد كورن عنواناً لكتابهما الصادر أخيراً على النسق التالي: «الروليت الروسية» وبمعنى اللعبة الخطيرة التي مارستها وتمارسها روسيا، وهو ما يفسره أيضاً العنوان الفرعي للكتاب الذي نتعامل معه فيما يلي من سطوره ويمكن ترجمته كما يلي: «أسرار حرب بوتين على أميركا وانتخاب دونالد ترامب».
وبديهي أن الكتاب يدور على محور أساسي من مقولات ما برحت متداولة في المشهد الفكري - السياسي - الإعلامي بالولايات المتحدة، وخاصة بين معسكرين أساسيين: المعسكر الأول الذي يعمل باستمرار على النيْل من مصداقية الرئيس الأميركي ترامب وإحاطة شخصيته ورئاسته وسلوكياته إزاء الشأن العام بقدر لا يخفى من سحابات التشكيك ولدرجة يصل معها أقطاب المعسكر المذكور إلى القول إن الذي أوصل المرشح ترامب إلى البيت الرئاسي الأبيض لم يكن آليات الحزب الجمهوري بقدر ما كان الأمر راجعاً إلى مخططات وعمليات أقرب إلى ألعاب الاستخبارات، وضعتها وعكفت على تنفيذها تلك الدوائر الروسية التابعة لفلاديمير بوتين.. وهنا لا يفوت أركان المعسكر المذكور التلميح المقصود إلى أن «بوتين» هو في الأساس خريج - شاطر طبعاً - لمدرسة وأجهزة الاستخبارات الروسية باسمها المعروف (كي. جي. بي).
المعسكر الثاني هو الذي مازال عاكفاً - شأنه شأن السيد ترامب - على التشكيك في هذا كله، ثم على الرفض القاطع الحاسم لفكرة الأصابع الروسية في رئاسة «دونالد ترامب»، واصفاً كل ما يصدر عن المعسكر الأول الذي ألمحنا إليه بأنه كان زيفاً وتدليساً وخداعاً. وهنا فلايزال معسكر ترامب يردد شعاره الأثير وهو: «تلك أخبار مغلوطة.. ومعلومات مزيفة، وهي من ثم أبعد ما تكون عن الحقيقة، وأقرب ما تكون إلى الكذب والافتراء».
مع ذلك، فهناك مسار محفور بين هذين المعسكرين، وقد شقه مؤلفا كتابنا باعتبارهما من خبراء الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة، حيث عمدا إلى تدارس عميق لكل ما ارتبط برئاسة ترامب من شائعات وأيضاً من حقائق.
ولقد عمد المؤلفان إلى توجيه اللوم إلى وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة التي كانت بطيئة، في تصورهما، في رصد ومتابعة، ناهيك عن كشف الجهود الروسية من حيث التدخل لصالح المرشح دونالد ترامب في مسير الانتخابات الرئاسية الأميركية.. وخاصة ما يتعلق مثلاً باتصالات بول مانافورت مدير حملته الانتخابية مع الدوائر الروسية، فضلاً عن علاقات مايكل فلين الذي بادر ترامب شخصياً إلى إقالته من منصب مستشار الأمن القومي في المقر الرئاسي في واشنطن.
هنا أيضاً يتوقف مؤلفا هذا الكتاب عند عمليات التجسس الإلكتروني التي مارستها موسكو - بوتين من أجل التأثير على الانتخابات الرئاسية عند الغريم الأميركاني.
ولقد يسترعي نظر القارئ لهذا الكتاب أن المؤلفَيْن لم يقصرا البحث والاستقصاء الصحافي على وقائع المشهد الانتخابي في أميركا خلال سباق 2016، بل إن الخط الاستقصائي الذي رسماه خلال فصول هذا الكتاب يحملهما، كما يحمل القارئ إلى فترات زمنية من سباق المنافسة والتربص العدواني لدرجة ترجع إلى أيام الاتحاد السوفييتي الذي كان المنافس الأقوى لأميركا خلال حقبة الحرب الباردة (1945- 1991)، وهي الفترة التي تسوّدت فيها أجهزة الاستخبارات، وفي مقدمتها طبعاً الوكالة الروسية التي نبغ من كوادرها شاب اسمه «فلاديمير بوتين» على وجه الخصوص.
في هذا الإطار لا يتورع مؤلفا الكتاب عن سرد وتحليل الوقائع التي اتسمت بها علاقات الطرفين الأساسيين، وهما معسكر ترامب رجل «البيزنس» في الغرب (أميركا) في مواجهة رجل الاستخبارات والمخططات السرية والمعلومات المستورة تحت السطح وهو بوتين في الشرق (روسيا)، بكل ما يتمتع به من مهارات سياسية أجاد استغلالها لصالح مستقبله السياسي بل و«رشاقة» صعوده في المجال العام، ثم ما بين موقع رئيس الوزراء إلى موقع الرجل رقم واحد في قصر الحكم بالكرملين.