ما بين الصلاة والطواف والسعي، يستقطع حجاج بيت الله الحرام ساعات من أوقاتهم الثمينة لزيارة مكتبة الحرم المكي الشريف، التي تعد من أقدم المكتبات الإسلامية.

إذ حازت عناية خاصة على مر العصور، لوجودها في أقدس مدينة في العالم، وفي العمق من اهتمام الإنسان المسلم ووجدانه، فاختيار مكانها الحالي في توسعة الملك فهد داخل المسجد الحرام، كان مثمرا، لتقدم مع هذا خدمة كبيرة لقرائها من زوار البيت العتيق، خصوصا وأنها تعد من أقدم المكتبات في العالم الإسلامي..

وفي التاريخ الإسلامي، كما أنها من أهم المراكز الحضارية الثقافية في مكة المكرمة، وتضم بين جنباتها أكثر من 350 ألفًا من أمهات الكتب الإسلامية وأندر المخطوطات، فمنذ أن تدخل المكتبة وحتى تخرج منها، يلازمك شعور بأنك في قلب التاريخ الإسلامي، فهي تشهد إقبالاً كبيراً من قاصدي بيت الله الحرام، ولها مرتادون من داخل المملكة وخارجها..

وتمتلك أجهزة ومعدات إلكترونية حديثة ومنظومة تكنولوجية تواكب عصر الكتاب الإلكتروني، وتستقبل يومياً أكثر من ألف زائر على مدار الساعة. كما تستقبل أيضاً وفوداً طلابية وأساتذة وأكاديميين جامعيين ومشايخ من العلماء وطلاب العلم، من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.

لمحة تاريخية

يعود إنشاء مكتبة الحرم المكي الشريف إلى القرن الثاني الهجري في عهد الخليفة العباسي الخليفة محمد المهدي عام 160 هـ، وترجع تسميتها بمكتبة الحرم المكي الشريف إلى الملك عبد العزيز (مؤسس الدولة السعودية الحديثة)، الذي أمر بتشكل لجنة من علماء مكة المكرمة لدراسة أوضاعها وتنظيمها بما يتفق مع مكانتها وأهميتها، إذ أسست في عهد الملك عبد العزيز عام 1357 هـ، كانت نواة مكتبة الحرم المكي إحدى قباب الحرم التي خصصت في ذلك الوقت، لحفظ المصاحف التي ترد إلى الحرم المكي، وبمرور الأيام نمت مجموعاتها..

وكان كثير من علماء العالم الإسلامي يقصدون المسجد الحرام ولا يفارقونه، فكانوا يأتون لأداء نسكهم وللمجاورة وطلب العلم، مما جعل بيت الله الحرام مركز إشعاع للعلم والفكر والمعرفة، باجتماع أهل العلم من كل أنحاء المعمورة، ولذا تميزت هذه البقعة الطاهرة بنشاط علمي وثقافي كبيرين، حتى أضحت مركزا حضاريا عالميا بارزا. وللمرة الأولى انتقلت إلى خارج الحرم ..

وكان ذلك في عام 1375هـ، وكانت تابعة لوزارة الحج حتى عام 1385هـ، وبعدها انضمت إلى الرئاسة العامة للإشراف الديني بالمسجد الحرام، حتى غيرت اسمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأصبحت مكتبة عامة تقدم خدماتها لطلاب وطالبات العلم.

توسعة الحرم

تنقلت المكتبة في عدة مواقع، فمن موقع مستأجر ضمن حي جرول، بعد توسعة الحرم المكي، إلى موقع حديث خاص بها أمام باب الملك عبد العزيز، غير ان توسعة الحرم المكي الشريف أدت إلى إزالة المبنى فجرى نقلها إلى جرول، ثم استؤجر لها مقر في شارع المنصور.

ومن ثم استقر بها المقام بمبنى ضخم في العزيزية بمكة المكرمة، ثم صدر أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مشروع مكتبة الحرم المكي بالقرب من المسجد الحرام، ضمن مشروع توسعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله ـ التاريخية للمسجد الحرام...

وذلك تأكيداً على مكانة الحرمين الشريفين وحرص الدولة على العناية بهما، والاهتمام بمنظومة الخدمات المقدمة فيهما والأهمية العلمية والمكانة التاريخية لمكتبة الحرم المكي، وليشمل التوجيه إنشاء مقر المكتبة بجوار المسجد الحرام ليكون بديلاً دائماً عن المبنى المستأجر الذي تقام فيه المكتبة بحي العزيزية وفق التصاميم الكاملة والخطط الهندسية للمشروع في أرقى طراز وأحسن مستوى..

وأبدع تصميم يليق بمكانة المسجد الحرام. ويذكر هنا أن مكتبة الحرم المكي الشريف بعد أن تعرّضت عام 1278 هـ لسيول جارفة أثرت عليها، وبعد رحلة تاريخية دامت أكثر من 12 قرناً، عادت إلى موقعها في أقدس بقاع الأرض بعد أن تعرضت لسيول جارفة انحدرت من جبال مكة واستقرت في صحن الطواف، وكانت لتلك السيول أضرار بالغة على أكثر من 350 ألفاً من الكتب القيمة ونفائس المخطوطات والنوادر.

المكتبة الصوتية

تضم المكتبة عدة أقسام، وهي: قسم الخدمة المكتبية (ويشرف على قاعة الاطلاع التي تستقبل المطالعين، ويوفر مساعدتهم في تلبية حاجاتهم بالوصول الى مبتغاهم من الكتب بين الرفوف التي تبلغ مجموعها ما يزيد على 100.000 عنوان)، قسم المخطوطات (يتولى خدمة الباحثين والمحققين، بمساعدتهم في الوصول إلى المخطوطات...

ويضم القسم حوالي ستة آلاف و847 مخطوطا أصليا، و358 مخطوطا غير عربي، وألفين و314 مخطوطا مصورا، ومجموعة من الرسائل العلمية)، قسم الدوريات (يعرض الصحف والمجلات المحلية والعربية الحديثة للمطالعين والزوار)، قسم المكتبة الصوتية (يعنى بتسجيل الأشرطة للزوار والمطالعين من المواعظ والخطب والدروس العلمية، التي تلقى في الحرم المكي، وفيه أكثر من ثمانين ألف شريط).

جناح الحرمين

وتضم المكتبة قسم جناح الحرمين الشريفين: ويعرض فيه كل ما له علاقة بالحرمين الشريفين، من صور قديمة وحديثة أو خرائط أو كتب أو مخطوطات للمطالعين. كما يقدم قسم الميكروفيلم خدماته عن طريق تمكين الزوار والمطالعين من مشاهدة الأفلام الخاصة بالمخطوطات والصحف القديمة على أجهزة القراءة الموجودة في القسم..

ويضم أكثر من خمسة آلاف و671 فيلما، أما مهمة قسم التصوير الميكروفيلمي فتتلخص في تصوير المخطوطات الأصلية على أفلام، ومن ثم تحويل تلك الأفلام إلى نسخ ورقية لمن يطلبها من الباحثين وطلاب العلم، وجرى تصوير جميع مخطوطات المكتبة تصويرا فوتوغرافيا، وحفظها كمبيوتريا.

مراجع وجدوى

من بين أقسام المكتبة، قسم خاص بالنساء يقوم بخدمة المطالعات والزائرات وطالبات العلم، على فترتين صباحية ومسائية، ويقوم قسم التجليد بتجليد الكتب الجديدة وتجديد تجليد الكتب القديمة، ويعتبر قسم التعقيم والترميم يعتبر أحد أهم الأقسام والذي اكتمل العمل به وأصبح يتولى ترميم المخطوطات والكتب القديمة وتعقيمها، أما قسم العلاقات العامة فيتولى استقبال الزوار والوفود الطلابية، ومرافقتهم في جولات معرفية بالمكتبة.

كما وفرت المكتبة المرئية بعض المراجع المخزنة على أقراص تيسيرا وتسهيلا للباحثين للوصول إلى ما يريدون. أما قسم التزويد فيتولى مسؤولية ومهام بناء وتنمية المجموعات وفقا للسياسة التي وضعتها الإدارة بالتنسيق مع المسؤولين بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

ذوو الاحتياجات الخاصة

يؤدي قسم المكتبة الإلكترونية في المكتبة، مسؤوليات تمكين رواد المكتبة من الاطلاع على أمهات الكتب المحفوظة على (CD)، أو تلك المخطوطات التي صورت على (CD) وذلك بهدف مواكبة المستجدات، أما جناح ذوي الاحتياجات الخاصة، فيهتم بالمكفوفين وذوي الإعاقات الخاصة..

ويضم بعض الكتب والنشرات المطبوعة بطريقة برايل ومجموعة من الأشرطة السمعية تربو على 2300 شريط وأكثر من 700 كتاب متخصصة في مختلف الفنون، أما قسم الفهرسة والتصنيف فيقوم بعمليات التحليل والوصف الببليوغرافي للكتب على شكل بطاقات..

ومن ثم وضعها في الأدراج بعد إعادة ترتيبها أبجديا، ويعنى قسم التجليد بتجليد الكتب الجديدة وتجديد تجليد الكتب القديمة. ويهدف قسم الإهداء والتبادل إلى إثراء مقتنيات المكتبة، من خلال التبادل وتمكين رواد المكتبة من الاستفادة من النسخ المكررة، والتي أعدت للتبادل، ويجري التبادل مع الأشخاص أو المؤسسات العلمية.

ماء زمزم

يبرز دور مكتبة الحرم المكي الشريف هاماً وحيوياً في تعزيز رسالة الحرمين الشريفين، العلمية والدعوية، ولتكمل منظومة الخدمات التوجيهية والإرشادية والتعليمية الموجهة لرواد الحرمين الشريفين، حيث استمر تزويدها بالمخطوطات وما يُستجد من الكتب والمراجع والأجهزة الحديثة التي تسهل على روادها استخدام أوعيتها المتنوعة..

وتسعى المكتبة إلى تقديم أفضل الخدمات وأرقاها للزوار والمعتمرين، فوضعت عدة خطوط هاتفية للاتصال المباشر مع الإفتاء بالمسجد الحرام وعمدت إلى تقديم الهدايا الرمزية مثل كِتب مناسك الحج والعمرة. وتقديم المصحف الشريف مترجماً بعدة لغات...

بالإضافة الى ماء زمزم والكتب الدينية الأخرى. ويأتي ذلك انطلاقا من توجيهات ولاة الأمر، حفظهم الله، التي تنص دائماً وأبداً، على بذل كل ما من شأنه العناية والرعاية برواد الحرمين الشريفين لتقديم أرقى وأفضل الخدمات لهم.

مصحف الحرم المكي الشريف على أقراص مدمجة

امتداداً للعناية بكتاب الله، وإيصاله مرتلاً إلى أسماع الناس أجمعين، أصدرت المكتبة في العام الماضي، ممثلة بالمكتبة الصوتية (مصحف الحرم المكي الشريف) على الأقراص المدمجة (CD)، ويحوي تلاوة عطرة لكامل المصحف الشريف بأصوات أصحاب الفضيلة، أئمة المسجد الحرام في مكة المكرمة، من صلاتي التراويح والتهجد في شهر رمضان المبارك.

وأعدت الهندسة الصوتية لمادته والتصميم والطباعة والنسخ في معمل الإنتاج بالمكتبة الصوتية على أحدث الأجهزة والأنظمة، وفق أرقى المعايير الدولية خدمةً لكتاب الله الكريم. وجرت طباعة كميات كبيرة من هذا الإصدار، وتوزيعها على المعتمرين والزوار.

8000

يبلغ رصيد المكتبة من المطبوعات أكثر من نصف مليون كتاب. كما يبلغ عدد المخطوطات أكثر من ثمانية آلاف مخطوط أصلي ومصور، في حين يضم قسم الميكروفيلم أكثر من 4000 فيلم لأهم المخطوطات، ويضم قسم المكتبة الصوتية أكثر من 40 ألف شريط لخطب ودروس المسجد الحرام.