تفتح المهرجان الشعرية التي تحتضنها الإمارات، صفحة جديدة في عوالم الشعر، فتبث الأمل وتردد صدى ما يتغنى به المشاركون من شتى الدول العربية. إلا أنك تتبين بوضوح ورغم اختبارهم لما ينعم به الشعر من تقدير واحتفاء في هذا البلد، نظرة أسى في أعين هؤلاء، تحكي قصة معاناة حقيقية أثقلت كواهلهم، وجسدت واقعاً حقيقياً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

«بيان الكتب» تواصلت مع عدد من الشعراء، لتتعرف على طبيعة التحديات التي تواجه الشعر العربي حالياً، وما يتعرض له من إجحاف في عصر السرعة الذي قلب الموازين، وحوَّل مد البحور إلى جزر، لتخرج الكلمات عن النظم والإيقاع ويسود الاستسهال ويتسيد الإهمال، فيخــتلط الحابل بالنابل، ويضيع الـــشعر الحقيقي في غمرة الألم.

استسهال

يؤكد الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة، أن هناك معاناة ذاتية لبعض الشعراء تتمثل في طباعة الكتب، ولكن في دولة الإمارات، فإن الشاعر الحقيقي يحظى بدعم كامل من قِبل المؤسسات الثقافية، سواء على مستوى إقامة الفعاليات أو طباعة الكتب..

ويقول: للشاعر الحقيقي في دولة الإمارات تقدير كبير، إذ تجري استضافته في الفعاليات وتطبع بعض كتبه ودواوينه، حتى لو لم يكن موجوداً شخصياً في الدولة.

ويشير البريكي إلى أن الاستسهال في كتابة الشعر ساد في يومنا هذا: لا نستطيع أن ننكر واقعاً حقيقياً موجوداً، ويجب أن نتعامل مع هذا الواقع بأن نحافظ على الوسائل التي يمكن من خلالها دعم الشعر، خاصة أنه فتحت وسائل التواصل المجال للجميع لنشر ما يريد، ما يحتمل أن يؤدي للتجني على الشعر أو يسيء إليه بشكل أو بآخر، ودورنا كمؤسسات ثقافية وبيوت شعر، أن نحافظ على الأصالة في الشعر.. وهو ما نحاوله بدأب في فعالياتنا ومهرجاناتنا المتخصصة.

ويذكر البريكي أن مهرجان الشعر العربي الذي تنظمه الشارقة، يواصل العمل من أجل الارتقاء بمستوى الذائقة الشعرية، ذاك أجل أن يثبت الشعر العربي حضوره، بما يحافظ على اللغة العربية التي تعد أولى عناصر الهوية والحضارة.

سطحية

يبين الشاعر طلال سالم أن الشعر العربي يعيش معاناة حقيقية. ويتابع: ما يعانيه الشعر اليوم هو بحث الجمهور عن السطحية، وعدم تواصله مع اللغة الشعرية الراقية، التي تسمو بالكلمة والأحاسيس، ففي عصر السرعة أصبح كل شيء سريعاً، ولـــم يعد الجــــمهور يرغب في تـــحمل عناء البحث في الصورة والجماليات التي يرسمها خيال الشاعر..

وفي المقابل، ساهم بعض الشعراء في تدني مستوى الشعر باستسهال الكتابة رافعين شـــعار«الجمهور عاوز كدة»، وها نحن اليـــوم نقبع بين مطرقة الوصول للجمـــهور بسطحية، وسندان الارتقاء بالكـــلمة والخيال والعاطفة لنبقى بمعزل عن الجمهور، فالموازنة بين هذا وذاك صعبة جداً.

علاقات

يشدد الشاعر د. طلال الجنيبي، على أن وسائل التواصل الاجتماعي لها فوائدها، إلا أنها في المقابل، تسببت في أزمات حقيقية للشعر. ويضيف: تتمثل أزمة الشعر في وقتنا الحالي، بالفرص التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، إذ فتحت بذا المجال لكل إنسان لعرض نتاجه، من دون حواجز أو تنقيح، ليختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين..

وكان نتيجة ذلك تشتت ذائقة المتلقي بشكل لا يتيح له التمييز بين قيمة التجارب الحقيقية التي تستحق التركيز عليها، والأخرى التي أخذت حيزاً كبيراً من الاهتمام رغم عدم جدارتها بالتقدير، إذ طغت العلاقات الاجتماعية بشكل كبير.

وأصبح الحكم في تقييم التجربة الأدبية يكمن في قدرة الإنسان على تسويق نفسه، ليخبو بريق المبدع الحقيقي ويبرز بالتالي أنصاف الموهوبين من أصحاب المواهب الإعلامية العالية. ويلفت الجنيبي إلى أن المجاملة غزت الوسط الأدبي بشكل كبير، ليضيع النقد البناء، وتُضخَّم العطاءات الصغيرة، وتُهمَّش التجارب المهمة.

هموم

تتحدث الشاعرة ساجدة الموسوي، عن معاناة الشاعر راهناً: يحدث أن يختلط الهم الشخصي للشاعر مع الهم العام، فشعراء كثر يعانون ظروفاً صعبة في بلدانهم، لتختلط همومهم فيعبرون عنها كلٌّ بأسلوبه الخاص، وتعتمد رسالة الشعر على وعي الشاعر، وطالما يعي الشاعر التحديات التي تواجه أمته، فهو يمتلك ناصية هموم هذه الأمة، ولا يوجد معوق بينه وبين الشعر، بل تفاعل بين الأنا الشاعرة والأنا الإنسان.

وترى أن مهرجان الشارقة للشعر العربي 14 جاء في ظل ظروف بالغة التعقيد، وتحديات صعبة تواجه وطننا العربي، ليكون صوت وضمير المجتمع العربي، ورسالة من الشعراء يتمثل فيها البعد الوطني والقومي والإنساني، ولواء تحمله الشارقة بكل أمانة.

مكانة واحتياجات

يجد الشاعر خليل عاصي أن أزمات الشعر نوعان، أزمة المتلقي وأزمة الشاعر. ويشرح: نعيش اليوم حالة من رداءة التلقي للشعر، بسبب غياب اللغة ودورها، ويتطلب الأمر جهداً كبيراً حتى تستعيد اللغة مكانتها، ولاستعادة مكانتها، يجب على المنتديات والملتقيات الثقافية أن تضاعف الجهود لتحفظ للغة العربية قيمتها وأمجادها.

ويلفت عاصي إلى أن أزمة الشاعر تكمن في تطفل الكثيرين على الشعر: استسهال الدخول إلى هذا العالم وعدم وجود ضوابط تحد من ذلك، فتح المجال للمتطفلين لاقتحام عالم الشعر، والتأثير عليه سلباً، وأسهمت قصيدة النثر في ذلك إلى حد كبير

تهرّب

معاناة حقيقية يواجهها الشعر العربي، تكمن في تهرُّب دور النشر منه ومن طباعته، وفي استطلاع سابق للرأي، أجرته «البيان»، أكد عدد كبير من مندوبي وأصحاب دور النشر، أن دورهم لم تعد تطبع الشعر، إذ لم يعد له جمهور.

وتؤكد دور النشر، في مجملها، أن جمهور الشعر قليل جداً مقارنة بغيره، مشيرة إلى أن الشعر العربي يعاني صعوبة في تسويقه، وأن قراءه معدودون، حتى إن الأسماء الشهيرة تبقى مبيعاتها ضئيلة. كما يوضح مسؤولوها أن لديهم مصروفات والتزامات مادية ويجب تأمينها، ما يجعلها تلك الدور دقيقة جداً في اختياراتها، ويدفعها للتفكير ألف مرة قبل الموافقة على طباعة كتب الشعر. إذ إنها لا تلقى الرواج.

الشعر صوت الناس ونصير الحق والعدل

الشعر سلاح في يد الشاعر، والشعراء مسؤولون عن التعبير عن قضايا وهموم بلدانهم بدقة وشفافية.. والتعبير عن آلامها وآمالها وتطلعاتها، بما يتطابق مع الخير والحقِّ والعدل.

هذا بالفعل ما رسخه وتعلمناه من فارس الكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ففي كل موقف كانت له كلمة، وعلى قدر أهمية الأحداث تجلَّت قصائده فكانت خير متحدث، وخير مُعبِّر، فلامست القلوب والعقول.

ولا يمكن لأحد أن ينسى قصيدة «يوم الشهيد» التي كانت بلسماً لذوي الشهداء، وهدية لكل من بذل روحه في سبيل الوطن، وقصيدة «الفاتحين» التي أهداها لأسود الجزيرة وحماة الديار، وتمتاز أشعار سموه بالصراحة والصدق، وتظهر فيها مبادئه وأفكاره بكل وضوح وشفافية.

ما تكتبه الرواية في مجلدات يختزله الشعر في بيت واحد

رغم ما يتعرض له الشعر العربي من اضطهاد، إلا أن شعراء الإمارات يقفون بالمرصاد لكل الهجمات التي تطاله، إذ دائماً ما ينافحون عنه ويعززون مكانته وقيمته، ومن نموذج وأمثلة ذلك الشاعر عبدالله الهدية، الذي يرفع، دوماً، شعار «سيبقى الشعر ديوان العرب الأقرب إلى القلب»، لافتاً إلى أن ما تكتبه الرواية في مجلدات يختزله الشعر في بيت واحد، وهذا هو مكمن القوة في الشعر.

كما تنحاز الشاعرة شيخة المطيري للشعر، مؤكدة أن جمهوره موجود، ولكن ازدياد جمهور الرواية أظهر للناس قلة عدد جمهور الشعر، لافتة إلى أن الشعر يُكتب لأجل الشعر، وليس ليُطبع أو ليتكسب منه الشعراء. وتشير المطيري إلى أن الشعر سيبقى حاضراً، فإن لم تكن دواوين الشعر مطبوعة فهي مسموعة، وإن لم تكن مسموعة فهي موجودة على منصة الأمسيات الشعرية.

 

Ⅶاقتداء كثر بمبدأ «الجمهور عاوز كده» أفرز تدني المستوى

Ⅶ المؤسسات الثقافية الإماراتية لا تتأخر في دعم المواهب المبدعة

Ⅶ تقييم التجربة الأدبية أصبح مرهوناً بقدرة الشاعر على تسويق نفسه

Ⅶ المجاملة طغت وضاع النقد البناء فانعكس الأمرضعفاً في الشعر