أول زيارة لي للصين الشعبية بعد وفاة الرجل الحديدي ماوتسي تونغ، مثلت بالنسبة لي صدمة أمام التخلف البادي حينذاك، بشكل عام، وكان يمكن لأي زائر أن يكتشف هذا التخلف من الساعة الأولى للوصول إلى بكين المهملة بشكل واضح، والخالية من أي وجه من وجوه التقدم.
بعد سنوات عدة، زرت الصين مجدداً بدعوة من وزارة الثقافة الصينية، وكانت هذه الزيارة صدمة مجددة لي، لكن هذه المرة بالقفزة في كل أشكال الحياة من شوارع حديثة ونظيفة إلى فنادق تضاهي فنادق أوروبا وسيارات فخمة وأسواق وناطحات سحاب، وصناعات صينية تملأ تلك المراكز المخصصة للتسوق.
كانت هذه القفزة قد أذهلت العالم الذي كان ينظر إلى الصين كدولة متخلفة، ليفاجأ بدولة معاصرة وحديثة بكل الوسائل المتاحة، وبمواصفات تضاهي دول أوروبا وأميركا.
تكررت زياراتي، وعــــقدت صداقات مع العديد من الفعاليات والمثقفين الصينيين الذين يتكلمون العربية ويكتبون فيها وبطلاقة وجودة متناهية، وعرفت أن جميعهم تعلموا العربية في جامعات الصين.
ثم عرفت أن في الصين 70 جامعة تدرس اللغة العربية، مثل جامعة الدراسات الأجنبية التي بناها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ودعمها مادياً، خاصة أقسامها التي تعنى بتدريس اللغة العربية، وجامعة بكين، وجامعة اللغات، وكذلك جامعة زيهيانغ للعلوم الصناعية والتجارية، ومن بين الكليات التابعة لها معهد اللغات الشرقية وثقافاتها، وكلية اللغة العربية وآدابها.
وقد حصلت على دعم من مركز جمعة الماجد، ومؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، ومن معهد الشارقة للتراث، ومؤسسة عبد العزيز سعود البابطين، والعديد من المؤسسات العربية، ولعل زيارة الدكتور عبد العزيز المسلم قد انتجت فعاليات عدة في الصين وفي الشارقة لتدعيم انتشار لغتنا العربية.
الصين ليست حديثة العهد في تدريس اللغة العربية، بل منذ حوالي نصف قرن، وهي تعنى بتدريسها للطلبة، حتى أن عدد الذين شاركوا في امتحان التقييم العالي لإتقان العربية بلغ 1875 طالباً عام 2017، هذا العدد يعني وصول الطلبة إلى مراكز متقدمة في تعلم لغتنا، والجامعات الصينية تمنح درجة الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية، بعد أن زادت الأنشطة الثقافية الصينية، كما انتقلت العديد من أنشطتنا إلى الصين، إلا أن إكمال طريق الحرير الجديد قد يغيّر خارطة العالم بأجمعه، وبكل الأشكال.