الجمهور هو العنصر الأساسي في فن الدراما، سواء في السينما أو المسرح، والعرب عموماً لم يخلقوا بتاريخهم هذا الجمهور المتخصص، الذي يندفع تلقائياً للذهاب إلى السينما بشكل متواصل ويحرص على مشاهدة عروض المسرح وإبداء رأيه بنوع الإنتاج المسرحي والسينمائي بالحضور الكثيف؛ دلالة الجودة، أو بالانقطاع؛ علامة التراجع.
ومن متابعة عامة نجد أن مهرجانات السينما في البلاد العربية تكاثرت وتنوعت، بل حتى المدن التي لا سينما فيها حرصت على إعداد مهرجانات السينما، إلا أننا وحتى الآن لم نشعر بهذه المهرجانات ولم تخلق هذه المهرجانات الدوافع الأساسية عند المشاهد لضرورة مشاهدة أفلام معينة، في حين أن فترات سابقة من تاريخنا السينمائي كان الحضور السينمائي فيها جزءاً من ثقافة العائلة وجزءاً من حياتهم اليومية؛ لذا فقد حرص الفرد، كما حرصت العائلة، على ممارسة هذا النشاط باستمرار والبحث عن الفيلم الجيد.
وكانت العديد من الأفلام قد استمر عرضها، ليس أسابيع، إنما أشهر طويلة جداً، مثل فيلم «عنتر وعبلة»، الذي استمرت عروضه في المدن العربية عدة أشهر دون توقف، مع اكتمال أعداد المشاهدين في الصالة كل ليلة.
أما المسرح فكان إنتاجه لا يتحدد في العرض في صالة المسرح فقط، إنما تحرص الفرق على تسجيله للتلفزيون يوم لم تكن هناك فضائيات، وتعرض المسرحية على الشاشة الفضية، فالمسرحيات التي تنتج في بغداد ودمشق أو القاهرة يستطيع المشاهد مشاهدتها في كل الوطن، وهكذا كان جيلي يشاهد «باي باي» لندن، و«العيال كبرت»، و«يا طالع الشجرة»، و«كأسك يا وطن»، و«النخلة والجران» وغيرها من خلال الشاشة الفضية، وكنا نتمتع بمشاهدتها.
إذن، ما دور المهرجانات تجاه المتلقي؟ ولعلي أقول إن هذه المهرجانات على كثرتها لم تستطع خلق الوعي الفني عند المتلقي، وأنا أقول هذا الكلام عن تجربة ميدانية، كانت مقتصرة على بعض العروض، ثم انتقلت إلى عروض أخرى، فلم تعد أية مسرحية تعرض أكثر من أيام معدودة، بل بعضها يعتمد على الافتتاح فحسب، أي إنها ظلت بعيدة عن المشاهد.
وحتى أكون منصفاً، لعل السينما قد نجحت بشكل نسبي وقليل جداً، ولا شك أن التلفزيون بفضائياته وتقنياته قد سحب البساط من تحت أرجل المسرحيين والسينمائيين، ولا بد لهم أن يعيدوا المشاهد بوسائل مبتكرة تنافس الشاشة الفضية الصغيرة، والعمل ليس مستحيلاً، ولكني أعترف بصعوبته، وأنا أحد العاملين في هذا الوسط معظم سنوات حياتي، بل أصبحت مخضرماً في هذا المهنة الممتعة والمتعبة معاً.