حين عُرضت لوحة «نابليون يعبر جبال الألب» مع افتتاح متحف اللوفر أبوظبي عام 2017 كانت شهرتها تسبقها إلى هناك، فاللوحة التي رسمها الفنان الفرنسي جاك لويس دافيد للقائد نابليون بونابرت بين عامي 1801 و1805، جذبت الجمهور والسياح من داخل الدولة وخارجها منذ اللحظات الأولى للافتتاح، وبقيت تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي في صور التقطها الزوار من مختلف أنحاء العالم وشاركوها على حساباتهم المتنوعة، وهو ما يؤكد أهمية المتاحف والفن في تعزيز الاقتصاد الإبداعي، وجذب السياح من أنحاء العالم.



قصة تاريخية



وراء هذه اللوحة الزيتية قصة تكشف للزوار تفاصيل مجهولة وراء إبداع هذا العمل الذي يعود لشهر مايو عام 1800، عندما قاد بونابرت قواته عبر جبال الألب في حملة عسكرية ضد النمساويين، انتهت بهزيمتهم في يونيو من العام نفسه فيما يسمى بمعركة «مارينغو». وبمناسبة هذا الإنجاز قام شارل الرابع ملك إسبانيا بتكليف الرسام الفرنسي جاك لويس دافيد برسم صورة لنابليون بونابرت ليتم تعليقها على جدار في القصر الملكي في مدريد خصص لصور كبار القادة العسكريين في التاريخ.

وبعد أن كُلف رسمياً، سأل دافيد قائد فرنسا الأول عن الطريقة التي يود أن يظهره بها، فرد نابليون «لا يهمني أن أجسد ما حصل في المعركة من مهارة في القتال أو أن أظهر كمية الدماء التي أريقت، بل أريد أن ترمز هذه الصورة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، أريدك أن تصورني هادئاً على حصان جامح». كما طلب بونابرت من دافيد أن يرسم له نسخة من تلك اللوحة عند الانتهاء من نسخة شارل الرابع، وقد كان له ما أراد. وفي ليل 20 يونيو من عام 1801 فاجأ نابليون صديقه الرسام بزيارته السرية لمشغله في اللوفر ليعاين نسخته التي لم تكن قد انتهت. وما أن وقع نظر بونابرت على لوحة «بونابرت عابراً جبال الألب» حتى غرق في تفكير طويل، ثم استدار نحو دافيد مصفقاً وانهال عليه بعبارات المديح. كان هذا الإنجاز قد حبك صورة إعلامية مبهرة تعكس للجميع مدى قوته، وجسارته وحكمته، فكان من أوائل من ابتكروا نمط «البروباغاندا» أو ما يسمى اليوم بالدعاية السياسية.



ملامح العظماء



بحسب الحكايات التي بقيت عن تلك اللوحة، بأنه وعلى الرغم من أن بونابرت كان مهتماً باللوحة التي تجسده، إلا أنه رفض الجلوس أمام دافيد ليرسمه فقد كان منهكاً بحروبه وحملاته العسكرية. فالجلوس أمام ريشة دافيد لرسم لوحة كهذه قد يستغرق شهوراً. آمن نابليون بأن الصورة يجب أن تكون تمثيلاً لشخصيته لا لشخصه، وعندما أصر عليه دافيد بالجلوس أمامه ليحفظ للتاريخ ملامحه كما حُفظت ملامح العظماء من قبله بصور مماثلة، كانت إجابة نابليون تفتح باباً لتساؤلات أمام كل العصور حين قال: «لا أحد يعرف ما إذا كانت صور الرجال العظماء تشبههم أم لا، يكفي أنها تجسد عبقرية حياتهم». إلا أن بونابرت سمح للفنان بالدخول إلى إسطبلاته الخاصة ليرسم نموذجاً للحصان الجامح الذي يمتطيه في اللوحة، أما الطريقة الثانية فكانت بأن أرسل إليه بزته العسكرية التي ارتداها خلال معركة «مارينغو» ليرسمها في اللوحة.

وحين عرضت اللوحة في اللوفر أبوظبي، ذكر البروفيسور جان فرانسوا شارنييه القيّم على المتحف حين افتتاحه، أنه قرر تخصيص مكانٍ مميّز لهذه اللوحة الشهيرة في قلب المعرض التاسع من الجناح الثالث للمتحف. على بُعد خطوات من لوحة الرئيس الأمريكي جورج واشنطن، وهو ما يتيح للزائر المقارنة بين اثنين من أشهر القادة في التاريخ.

ولذلك فحين يأتي الزائر من أي مكان في العالم لمشاهدة هذه اللوحة في اللوفر أبوظبي، فهو يدرك أنه يلتقط صورة له بجانب قصة فنية وتاريخية بامتياز.