فانيتا بلاكبورن.. سرد مؤثر عن صدمة أسرية

وجدت، كارول، كاتبة الخيال العلمي في لوس انجليس بالولايات المتحدة، شقيقها ميتاً في شقته الكئيبة، لم تعثر في المكان على ملاحظة أو رسالة بخط يده، لكنها وجدت بقرب الجثة هاتفه المحمول وبداخله أرقاماً، فتناولته وباشرت في الرد على رسائل نصية أرسلت له، منتحلة شخصيته.

هكذا تنطلق الرواية الأولى للكاتبة الأمريكية، فانيتا بلاكبورن «متوفى في لونغ بيتش كاليفورنيا»، في استكشافها لمشاعر الحزن الفوضوية التي تعتري كارول، وهي مؤلفة قصة مصورة بائسة بعنوان وايلدفاير، أثناء محاولتها التشبث بذاكرة شقيقها في إصرار متهور، في تبادلات قصيرة على الهاتف.

ونتابع على صفحات الرواية حياة كارول وانفصالها التدريجي المؤثر المفجع عن الواقع، وهو ما يهدد رجاحة عقلها عدا علاقاتها مع ابنة شقيقها، خديجة.

ومع مراكمة كارول للأكاذيب والخداع، سيصبح عالم روايتها «وايلدفاير» الغريب والغامض متشابكاً مع واقعها الخاص، وفي سياق ذلك تستحضر على نحو مقلق ذكريات وصدمات وأسراراً مدفونة منذ فترة طويلة إلى الحاضر.

وقالت في مقابلة مع صحيفة «لوس انجليس تايمز» إن روايتها لا تدور حول الشفاء، ولا تتعلق بالوصول إلى نهاية للحزن أو تقديم حلول. بل لها علاقة بالشعور بالصدمة القاسية لكارثة أسرية دون الحصول على إجابات.

تحوي الرواية الكثير من القصص الدرامية، وبالعودة إلى ذكريات الماضي والمقالات الإخبارية والرسائل النصية والخيال ترسم خريطة كورال النفسية المحطمة.

وكانت أول رسالة على هاتف شقيقها رسالة من ابنته تطلب منه تأجيل موعد عشاء مرتقب بينهما، وفي حالة من الغضب ثم الإنكار تقرر الرد عليها لتعمد لاحقاً لإنشاء حسابات له على وسائل التواصل الاجتماعي رافضة الاعتراف برحيله.

وفيما تمارس حياتها كالمعتاد، تلتقي بالأصدقاء وتحضر مناسبة لروايتها، تتكشف حياتها أمامها وتتحول ضغوط إبقاء أخيها حياً بطرق ملتوية عالقة في حالة مرهقة أثناء تعاملها مع الخسارة والوحدة والشعور بالذنب، إذ ستدرك بعد مصادرة صوت أخيها كم كانت حياتهما مختلفة، وستجد نفسها غاضبة على شقيقها وعلى أصدقائه.

يجري سرد الرواية من قبل عدة أصوات، مع صوت مهمين لصيغة الجمع بضمير المتكلم، وهو ما يستحضر في الذهن جوقة يونانية قديمة. هذه الجوقة ستسكن حياتها كما سكنت هي حياة شقيقها، تقول الجوقة تكمن مسؤوليتنا في سرد القصة لأن كارول لا يمكنها ذلك لانفصالها الشديد عن الواقع.

وبهذه الطريقة ستحقق الجوقة في حياتها وحياة شقيقها ما يغذي أرشيفاً خاصاً، فتعود إلى أيام شبابها وعلاقاتها بشقيقها في مقاطع مؤثرة، وكيف دعما بعضهما بعضاً وتخليا عن بعضهما بعضاً، وعن وفاة والديها الخ.

وصف النقاد الرواية بأنها سرد للحزن والأزمات بشكل متحول وروح مفجعة، وفي استكشاف للذات تسرد قصصها وتغوص في أعماق البشر لاستكشاف قدرتهم على إلحاق الأذى والشفاء، لكن بالرغم من حساسية موضوعها إلا أن الرواية مرحة مضحكة. وبفضل خيالها الجريء وأسلوبها المرح والذي جعلها روائية مشهورة في مجال القصص القصيرة، تصوغ الكاتبة في روايتها الأولى سرداً متعدد الطبقات ومتقلباً لما تضعه الحياة أمامنا من تجارب.

الأكثر مشاركة