الرواية التاريخية الإماراتية .. جدل الحضور والغياب

يعد مهرجان طيران الإمارات موسماً لتناول مختلف القضايا المتعلقة بالأدب. ومن ذلك الجلسة التي عقدت حول الرواية التاريخية الإماراتية، التي تعتبر مصدراً مهماً للدراسات الأدبية والتاريخية، كونها توفر فرصة للباحثين والأكاديميين لدراسة مختلف جوانب التاريخ الإماراتي.

وتحليل تأثير الأحداث والشخصيات على التطور الثقافي والاجتماعي، ومصدراً مهماً للبحث العلمي والدراسات المقارنة حول الأدب التاريخي في المنطقة، وجزءاً مهماً من التراث الأدبي المحلي.

كونها تعكس بين سردياتها الماضي التليد للحياة الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية، وتوثق إيقاعها الساحر وتأثيراتها الغنية، بدءاً من العصور القديمة وصولاً إلى العصر الحديث، إلا أنها مازالت تعاني من حضورها وإنتاجها الإبداعي الخجول على الرغم من أهميتها كنوع أدبي ودورها الملهم في المشهد الثقافي الإماراتي.

يؤكد الباحث والكتاب ورئيس معهد الشارقة للتراث الدكتور عبدالعزيز المسلم في حواره مع الـ«البيان»، أن من أهم أسباب الحضور الخجول للرواية التاريخية الإماراتية كنوع أدبي فريد ضمن الحراك الثقافي الإماراتي هو أنّ هناك تدنياً في مستوي القراءة بشكل عام والتاريخ بشكل خاص.

وفيما يتعلق بالأحداث التاريخية هي أحداث حساسة جداً واستدعاؤها قد يضع الكاتب في إشكاليات عديدة، كونه يعتمد على البحث والتوثيق المعنوي للوقائع التاريخية في سياق السرد الأدبي.

ومن الأسباب المؤثرة على قلة الإنتاج الأدبي للروايات التاريخية الإماراتية يرى المسلم أن العديد من الكتاب اليوم باتوا يسعون إلى الشهرة والمتابعين أكثر من اهتمامهم بفعل الكتابة الأدبية وانتقاء موضوعاتها.

إصدار محدود

حول الحضور الخجول ومحدودية إصدارات الرواية التاريخية يقول مدير إدارة الآداب بالإنابة في «دبي للثقافة»، محمد الحبسي:

«لا أرى حضوراً خجولاً للرواية الإماراتية التاريخية، ولكننا يمكننا القول إننا نعاني من قلة الإصدارات بسبب قلة عدد الروائيين والكتاب المتخصصين في هذا النوع من الأدب، إلى جانب انتشار وشعبية الروايات الاجتماعية والوجدانية، وغيرها من الروايات على حساب الروايات التاريخية الإماراتية».

هوية ثقافية

وفيما يتعلق بدور المؤسسات الثقافية يؤكد الحبسي، أن الدعم المؤسسي بلا شك يلعب دوراً كبيراً في مسيرة الأدب التاريخي المحلي، وهو ما نلمسه في العديد من الفعاليات والمهرجانات طوال العام في إمارة دبي ومنها على سبيل المثال وليس الحصر البرامج والندوات المتخصصة في مهرجان طيران الإمارات للآداب.

فئة مستهدفة

ومن جهتها نوّهت الكتابة الإماراتية نورة عبدالله الطنيجي بأنّ الرواية التاريخية في الإمارات مازالت حاضرة رغم تواجدها الخجول في الساحة الأدبية، إلّا أنّ هناك الكثير من الكتّاب الروائيين تطرقوا إلى طرح إصداراتهم الأدبية بأسلوب حديث لمواكبة التطلعات المستقبلية للمجتمع.

وفي هذا النحو أغلب الكتّاب يرتأون اختيار العنصر الشبابي كفئة مستهدفة، وهذا ما يجعل فكرهم الروائي يرنو نحو الهمّة الشبابية واهتماماتهم في العالم الرقمي والتكنولوجيا والتشويق عن طريق الأجهزة الذكية، وما يحويها من صلاحيات باهرة وتبعد كل البعد عن التراث الإماراتي والموروث الشعبي القديم.

عقبة التوثيق

وأكدت نورة عبد الله الطنيجي، موقفها الحيادي في شأن العوامل التي أدت إلى قلة حضور المرجع التاريخي في الروايات.

وتعود تلك العوامل إلى «توثيق التاريخ الإماراتي» أي أنّ التاريخ تمت الكتابة عنه بالفعل والمراجع والمكتبة تثبت ذلك، لذا يجد الروائي نفسه أمام عقبة التوثيق حين يكتب رواية؛ فهو لا يود التكرار أو كتابة ما تم كتابته مسبقاً، وعلى صعيدٍ آخر قد تتم مساءلته قانونياً في حال كتابة ما يخالف ذلك، فهي مجازفة كبيرة قد تضع الكاتب في مأزق لو لم يتطرق إلى التاريخ بشكل دقيق.

ولكن أشجع الكتّاب في خوض المجازفة والتحرر من قيود الخوف الكتابي، لأنها تجد الكتابة عن هوية الوطن والموروث الشعبي والتغزّل بالطبيعة الإماراتية حافزاً يعزز الانتماء الوطني. ويمكن للكاتب أن يربط في كتاباته بين ماضيه الأصيل وتاريخه الحافل بالمستقبل الواعد والغد الأجمل؛ لتتلاقى الأفكار الجاذبة عبر صفحات الرواية الإماراتية وتصل للقارئ بشكلٍ جاذب وتشويقي.

المروية التاريخية

وأشار مؤلف الفانتازيا التاريخية وروايات الخيال العلمي الباحث السعودي د.أشرف فقيه إلى أنّ هناك مجالاً أكبر للتوسع في هذا النوع من الجنس الأدبي فيما يتعلق بالرواية التاريخية، على الرغم من أنّ هناك فرقاً واضحاً بين الأعمال الإبداعية كرواية أو قصة تتطرق إلى شأن تاريخي والتاريخ التراثي، إن صح التعبير، ولكن في العموم فإن كفة التراث والمروية الرسمية دائماً راجحة.

وبالتالي فإن عند المبدع والأديب تهيب من خوض مضمار إعادة تطرح الأسئلة التاريخية وسرد قصصها من منظور مختلف من خلال التركيز على شخوص وأبطال الهامش عوضاً عن الأبطال الرئيسيين الذين تكرس حضورهم المروية التاريخية التقليدية من حكام وقاده وسلاطين وغيرهم.

وربما يعود السبب في ذلك تخوّف هؤلاء الكتاب من مواجهة الجمهور المقتنع والمطمئن للمدونة التاريخية والرسمية في مقابل ما قد تثيره الرواية التاريخية الحديثة من إشكاليات وتناقضات قد لا يتقبلها القارئ.

 

الأكثر مشاركة