بانوراما الفنون والتكنولوجيا في دبي ترسم خريطة إبداع عالمية فريدة

لا تتوقف دبي عن استكشاف الآفاق الجديدة في مختلف شؤون الحياة وتفاصيلها، ومن بينها الفن والثقافة اللذان لم يعودا بمعزل عن التقنية التي تزداد تطوراً وتجدداً يوماً بعد يوم، حتى باتت الإمارة مركزاً ثقافياً وفنياً وحضارياً شاملاً مشعاً، ينثر أنواره وألقه بمختلف الطرق والأساليب والحقول الإبداعية. وقد برز تميز دبي عالمياً، في الفترة الأخيرة، بعوالم إبداعية جديدة، حيث تمزج معها بين أدوات الفنون الإبداعية ومضامينها من جهة، وابتكارات التكنولوجيا، من جهة اخرى، إذ راحت ترسم خريطة تفرد عالمية في الصدد.

وتحتضن دبي العديد من المسارح والمعارض الفنية والثقافية التي تستخدم التقنيات المتطورة، أبرزها تلك «التفاعلية» التي تشرك الجمهور بكل تفاصيل العمل الفني سواء عن فنان أم لوحاته أم طرب أم حتى جلسات للتشافي والتأمل، وهو ما يقدمه مسرح «تودا» الواقع في مدينة جميرا ممثلاً نقطة تحول في مشهد المسرح الإماراتي والعالمي أيضاً.

نجارب ومتعة

يلتزم هذا المسرح الفريد من نوعه بتقديم تجربة مسرحية غامرة وغير تقليدية، يتم خلالها دمج أحدث وسائل التكنولوجيا بشكل مباشر وعميق مع العروض المسرحية التقليدية، عبر استخدام تقنيات الواقع المعزز، والواقع الافتراضي والتصميم الرقمي، والتقنية ثلاثية ورباعية الأبعاد، في محاولة منه لإعادة تعريف حدود المسرح وتقديم تجربة لا مثيل لها للجمهور.

أكثر ما يميز هذا المسرح قدرته على تحويل الفضاء المسرحي إلى عالم رقمي خيالي، يتم خلاله استخدام الصور المتحركة والمؤثرات البصرية الرقمية لخلق مناظر طبيعية غير اعتيادية وأجواء مسرحية مذهلة، تمتد على كل الجدران والسقف لتنعكس على الأرضية أيضاً في مشهد يحيط الزائر بمشاعر مكثفة ومعلومات جمة، تتجاوز فكرة مشاهدة لوحة عادية أو فيلم أو حتى مسرحية غنائية، وهذا التكامل بين التقنية والفن يثري تجربة المشاهد ويضيف طبقات جديدة من الإبداع والابتكار.

وأوضحت داريا بودافيتش المدير العام لمسرح تودا لـ «البيان» أن ما يجذب الزوار إلى هذا المكان هو قدرته على تقديم عروض مسرحية فريدة من نوعها تتخطى الحدود التقليدية، من خلال التفاعلية والتجربة الغامرة والفرصة لاكتشاف أشكال جديدة من التعبير الفني والاستمتاع بتجربة مسرحية لا مثيل لها سواء في عروض الغناء أو تلك الخاصة بالفنانين التشكيليين ولوحاتهم وحياتهم أو المغنين وغيرهم، مشيرة إلى أن «تودا» يلعب دوراً محورياً في تعزيز مكانة دبي كوجهة رائدة للفنون والثقافة في المنطقة، وهذه المبادرة تجسد رؤية الإمارات لتطوير قطاع الفنون الرقمية وتحفيز الإبداع في هذا المجال.

وقالت: «بدأنا العمل هنا في 2020 وكان التحدي كبيراً كون تلك الفترة هي التي شهدت التطور والنقلة النوعية في عالم الفن الرقمي وبدأ في التشكل والظهور، فكان أمامنا أهداف كبيرة للتعريف بهذا النوع الجديد من الفن وقدرته على إيصال المشاعر والأحاسيس بطرق مختلفة لم يعشها الزوار من قبل، وبالفعل تمكنا من فعل ذلك على مدار تلك السنوات بشكل لافت، حيث يزورنا العديد من المقيمين والسياح من كل الجنسيات وبطرق لم نكن نتوقعها، حتى أن بعض الزوار يتكررون كل أسبوع في جلسات التأمل والتشافي لتجديد نشاطهم وحيويتهم من جديد من خلال الجلسات المتخصصة في العلاج بالصوت والتأمل وغيرها الكثير».

وقالت الإماراتية مريم الحوسني، والتي تحرص على متابعة فعاليات "تودا" وغيرها من الفعاليات الشابهة، إنها تميل إلى الجانب الفني كثيراً كونها تهوى التصوير، وإن هذا المكان يروي شغف حواسها كلها ويدفعها إلى المزيد من الابتكار والإبداع، لما يقدمه من مؤثرات متنوعة تعمل على تنشيط حواس المشاهد وتبقيه متعطشاً للمزيد مما يراه.

تفرد

من جهتها، بينت البلجيكية تانيا تيودر، وهي إحدى زائرات مسرح تودا، أنها سعيدة جداً بهذه التجربة الغنية التي لم تختبرها في مكان آخر من قبل، خصوصاً وأن العرض الذي شاهدته قدم لها حياة فنانة شهيرة روتها على لسانها من خلال التقنية المعززة كونها رحلت منذ زمن طويل، لكن التكنولوجيا تمكنت من إعادتها لتروي حكايتها للجمهور بنفسها وبصوتها، مع تردد الموسيقى والمؤثرات الصوتية المتنوعة التي جعلت العرض أعمق بكثير مما توقعته.

وأما سونا غون بين، من الصين، فأكدت أن تجربة الواقع المعزز أو ما يعرف بالميتافيرس في إحدى غرف المسرح كانت أمراً فريداً بالفعل، حيث تمكن فقط من خلال ارتداء النظارة الخاصة من الذهاب إلى عوالم مدهشة ومعرض فني في مكان آخر تماماً من العالم، بل وتمكن من المشاركة فيه عن طريق لمسه افتراضياً للوحات وللمشاهد ذات الأبعاد المختلفة التي جعلته يشعر أنه في حديقة مليئة بالأشجار والعصافير إضافة إلى اللوحات والتعريف بالفنان بشكل دقيق ومختلف أيضاً، مؤكداً أنه حتماً سيعود لمشاهدة المزيد من العروض الأخرى.