السرد الإماراتي.. صدى حكايات المجتمع ومرآة تطوره

مر السرد في الإمارات بالعديد من المراحل على مدى السنوات الماضية، بدءاً من أول رواية كتبها راشد عبدالله النعيمي بعنوان «شاهندة» في عام 1971 مروراً بالعديد من التجارب الناجحة والمختلفة، وصولاً إلى يومنا هذا الذي تشهد فيه الساحة الثقافية الإماراتية غزارة في الإنتاج بمختلف أنواعه وأشكاله.

تطورات هائلة

وشهد السرد الإماراتي تطورات هائلة خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث قالت الكاتبة الدكتورة مريم الهاشمي: «الرواية والسرد في الدولة منتميان إلى فترة الحداثة، وربما الشعر كان الأقدم في حضوره في المجتمع وبدايات السرد من خلاله، وكان لي كتاب سابق تحدثت فيه عن أول ظهور للقصيدة الفصيحة في الدولة والكثير من التأريخ السابق الذي يدل على وجود الشعر في المنطقة قبل أكثر من 100 عام».

وأضافت: «السرد يعتبر نوعاً فنياً جديداً ظهر بفعل الاحتكاك مع الآخر، له جذور كثيرة، بالطبع كانت هناك الحكاية الشعبية موجودة و«الخروفة» في المجتمع، وجاءت الرواية كردة فعل بسبب الانفتاح الثقافي والاحتكاك مع الآخر والتواصل بين الفئة المثقفة في المنطقة مع كتاب آخرين من خارج المنطقة والتواصل مع الصحف الخارجية، كلها أمور أثرت وأدت إلى ولادة هذا النوع من الأجناس الأدبية ومنها السرد والرواية الأدبية».

وأوضحت أن الكتابة الإبداعية تأثرت بعد الحداثة بكافة التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية والنفسية والحروب وغيرها من الأحداث، وهذا يعكس أن الكتابات تصور أن الإنسان جزء لا يتجزأ من البيئة والحياة، واليوم الكتابة الإبداعية انتقلت من المحلية ومن البيئة الخاصة بها إلى «الإنسانوية» كنمط جديد من أنواع الكتابة الإبداعية، ولدينا الكثير من النماذج الكتابية وخاصة في الرواية التي تتحدث حول مشكلات إنسانية يتعرض لها الآخر لا فقط ابن البيئة المحيطة.

تأثر

من جهته، قال الكاتب الإماراتي علي عبيد الهاملي، نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي: «لا شك أن الأدب الإماراتي بشكل عام، وليس السرد وحده تأثر بالحداثة، شأنه شأن كل شيء في مجتمع الإمارات الذي كان ينهض وينتقل من مرحلة إلى مرحلة، متأثراً بكل ما يحدث حوله في مختلف المجالات، وقد ظهر هذا التأثر في ناحيتين: الأولى وهي الشكل، والثانية المضمون».

تطوير أدوات

ويرى الهاملي أنه من ناحية الشكل طور كتّاب وأدباء الإمارات أدواتهم وأساليبهم وأنساقهم الأدبية متأثرين بكتّاب الحداثة وأدبائها داخل الوطن العربي وخارجه، فرأينا الشعر الحر والقصة القصيرة والرواية العجائبية، وإن كانت خارجة من ثوب «الخروفة» الإماراتية القديمة، كما رأينا غيرها من الأشكال التي لم يكن يعرفها الأدب في الإمارات من قبل، ومن ناحية المضمون ظهرت لنا مضامين حديثة خرجت عن المضامين التقليدية التي كانت قائمة على خصوصية مجتمع الإمارات وقضاياه ومشاكله، مثل الغوص وغلاء المهور وبعض العادات والممارسات التي كانت سائدة في المجتمع.

«شاهندة»

وأردف: رواية «شاهندة» لراشد عبد الله النعيمي تعد أول رواية إماراتية كانت تتحدث عن موضوع الرق الذي لم يعد موجوداً الآن، فبدأنا نقرأ روايات تتسق موضوعاتها مع التطور الذي كان يحدث في مجتمع الإمارات، وتخرج عن النمطية المعروفة، وحدث هذا في مجال الرواية والقصة القصيرة والشعر، وغيرها من أشكال الإبداع الأخرى.

وأضاف: «لهذا فإننا حين ننظر إلى الكتابة الإبداعية اليوم نلمس فيها نقلة نوعية من ناحية الشكل والمضمون، ما كان لها أن تحدث لولا تأثر كتاب وأدباء الإمارات بحركة الحداثة التي كانت تجري حوله، ولولا تماسه مع الإنتاج الأدبي بمختلف أشكاله داخل الوطن العربي وخارجه، ومع هذا تبقى لمجتمع الإمارات خصوصيته التي يجب أن تظهر في الإبداع الأدبي أياً كان مدى تأثره بحركة الحداثة وتفاعله معها، وهذا ما نلاحظه فعلاً في أغلب الإنتاج الأدبي الإماراتي، وهو غزير هذه الأيام وجميل وممتع».

الأكثر مشاركة