مواقع دبي الأثرية.. حكايات تاريخية حافلة بالعراقة والتميز الحضاري

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تزخر دبي بأكثر من 17 موقعاً أثرياً مهماً تروي تاريخها العريق وتعكس تراثها الغني الأصيل، حيث ساهمت أعمال المسح الأثري التي شهدتها الإمارة على مدار فترة زمنية طويلة بالكشف عن العديد من المواقع المهمة، عبر توظيف الموارد والتكنولوجيا الحديثة لتعزيز الدراسات والبحوث المتعلقة بالآثار تحت إشراف هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) من خلال دعم الأبحاث والدراسات العلمية المرتبطة بالآثار ونشر نتائجها، والتعاون مع المؤسسات التعليمية والمختصين الدوليين في مجال الآثار، والمشاركة في المعارض والندوات والمؤتمرات الدولية التي تسلط الضوء على المواقع الأثرية في دبي ومكتشفاتها، مما يساهم في تعزيز مكانة دبي على خارطة التراث العالمي.

اكتشافات ملهمة

وحول أهمية الأبحاث المتعلقة بالمواقع الأثرية وأعمال التنقيب في تعزيز حضور إمارة دبي كأحد أهم المدن في الحفاظ على التراث الحضاري العالمي أكد المهندس بدر محمد آل علي، مدير إدارة الآثار في هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) أن مواقع دبي الأثرية تشكل رافداً مهماً للدراسات والبحوث المتعلقة بتاريخ دبي.

وقال: «تشكل مواقع دبي الأثرية مصدراً للمعرفة وشهادة على تنوع الإمارة الثقافي، وقد ساهمت أعمال المسح الأثري والتنقيب التي شهدتها دبي على مدار السنوات الماضية في الكشف عن العديد من المواقع المهمة التي تؤكد امتلاك دبي لجذور حضارية قديمة، ما يعكس أهمية الإمارة وموقعها الجغرافي وعلاقتها مع الحضارات الأخرى»، مشيراً إلى حرص «دبي للثقافة» على الحفاظ على الآثار، وهو ما يتناغم مع مسؤولياتها الثقافية.

وأضاف بدر: إن الهيئة تسعى عبر برامجها المتنوعة إلى تمكين كل فئات المجتمع من الوصول إلى المواقع الأثرية وزيارتها، بهدف التعرف على عمق دبي الثقافي وأهميتها التاريخية، ما يساهم في ترسيخ مكانة الإمارة على خريطة التراث العالمي، مشيراً إلى أن دبي تمتلك أكثر من 17 موقعاً أثرياً، ومن أهمها موقع «ساروق الحديد الأثري» (2600- 550 قبل الميلاد) الذي يعتبر واحداً من أغنى المواقع الأثرية الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وكذلك موقع «جميرا الأثري» الذي يرجع بتاريخه إلى عصر الخلافة العباسية واستمر استيطانه حتى القرن الثامن عشر.

وأشار بدر إلى أن موقع «الصفوح الأثري» (2500 - 2000 قبل الميلاد) يضم بقايا مستوطنة ومدفناً أثرياً مشيداً من الحجر دائري الشكل يرجع إلى حقبة أم النار، وكذلك موقع «العشوش الأثري» (الألف الثالث قبل الميلاد)، الذي يعد من أوائل الأدلة على انتشار المستوطنات السكانية في المناطق الصحراوية البعيدة عن شاطئ الخليج العربي، فيما يحتوي موقع «مرغم الأثري» (1300 - 600 قبل الميلاد) الذي اكتشف خلال العام الماضي، على مقبرة أثرية تأخذ الشكل شبه الدائري، وتشمل القائمة أيضاً مجموعة مواقع في منطقة حتا، حيث أسفرت أعمال المسح الأثري التي شهدها موقع «مدافن جبل اليمح في حتا» (3200 - 550 قبل الميلاد)، عن توثيق وتسجيل 84 مدفناً أثرياً تنتشر تحت سفح الجبل ضمن مجموعات تقع على مقربة من بعضها.

ساروق الحديد

وفيما يتعلق بأهمية المواقع التاريخية في دبي بالنسبة للدارسين والباحثين في مجال الآثار قالت مريم السويدي، منقب آثار رئيسي في هيئة الثقافة والفنون في دبي: تضم دبي العديد من المواقع الأثرية التي تعكس تاريخها الغني، منها موقع ساروق الحديد الأثري، والذي يعتبر أحد المواقع الأثرية المهمة في فترة ما قبل التاريخ.

حيث تم الكشف عن العديد من الآثار التي تعود إلى عصور وفترات مختلفة من تاريخ البشرية بدءاً من العصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي، والعصر الحديدي، وحتى العصور الإسلامية، مما يشير إلى النشاط البشري القديم، وقد شهد الموقع أوج ازدهاره خلال العصر الحديدي (الألف الأول قبل الميلاد)، حيث تم الكشف عن قطع أثرية متنوعة منها الأدوات والأواني والتي تعكس حياة الإنسان القديم ونمط حياتهم، بالإضافة إلى الأختام والتي تشير إلى ارتباط وتواصل الموقع بالحضارات وكمركز للتبادل التجاري خلال هذا العصر.

بيئة المستوطنات

وفيما يتعلق بأبرز الاكتشافات التاريخية ذات الصلة بنشاط المستوطنات في تلك الحقبة، قالت مريم السويدي: تم الكشف عن جرار فخارية ومباخر ذات دلالات وطقوس عقائدية ودينية، وقطع أثرية أخرى مثل الأسلحة البرونزية والسيوف الحديدية والتي توضح مهارة الحرفيين آنذاك، حيث كان الموقع أحد أهم المراكز لصهر وصناعة المعادن. أما موقع العشوش الأثري فهو يقع على بعد كيلومترات عدة من موقع ساروق الحديد الأثري، ويرجع تاريخه إلى العصر البرونزي (الألف الثالث قبل الميلاد)، حيث أسفرت أعمال التنقيب الأثري الكشف عن مجموعة من أفران الطهي مختلفة الأحجام والمشيدة من كسرات الحجر ومبطنة بالطين، كما تم الكشف عن كميات كبيرة من العظام الحيوانية وختم مميز من حضارة دلمون.

قصص وشواهد

وتابعت مريم: ومن المواقع الرئيسية الأخرى نستحضر موقع القصيص، حيث القرية الإسلامية وكذلك موقع وادي جيما والذي يتميز بمدرجاته الزراعية وشبكة قنوات الري والتي تعكس لحياة سكان حتا القدامى خلال تلك الحقبة التاريخية، إلى جانب موقع الصفوح الأثري، الذي يرجع بتاريخه للألف الثالث قبل الميلاد، يضم مدفناً كبيراً مشيداً من الحجر دائري الشكل من فترة أم النار، وتم الكشف فيه عن مجموعة من الهياكل البشرية وقطع أثرية مختلفة كالفخاريات والأواني المصنوعة من الحجر الصابوني، وحبات الخرز، والقطع البرونزية، إلى جانب موقع القصيص الأثري والذي يحتوي على مدافن فردية وجماعية والكثير من القطع الأثرية، أهمها نماذج لثعابين مصنوعة من البرونز.

العصر الإسلامي

وعن حضور موقع جميرا الأثري كأبرز المواقع التي يعود تاريخها إلى العصر العباسي ويمتد حتى العصور الإسلامية المتأخرة أشارت مريم إلى أن موقع جميرا الأثري يعتبر مستوطنة متكاملة، حيث تم الكشف عن معالم أثرية منها مبانٍ سكنية وأخرى عامه مثل الخان والمسجد والسوق.

وقد تم الكشف عن العديد من القطع الأثرية بما في ذلك الأدوات اليومية، القطع الجصية المزخرفة، والعملات، والذهب والحلي والأواني الفخارية والقطع البرونزية، والحجرية والزجاجية. علماً أن الموقع تم افتتاحه كأول موقع أثري في إمارة دبي يستقبل الزوار في عام 2020

Email