بشارة انجلاء الحر وبداية الانتعاش

«سهيل» نجم الأساطير وملهم الأدباء والشعراء

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«إذا طلع سهيل برد الليل»، جملة يرددها أهل الإمارات استبشاراً بظهور نجم سهيل، ويقال أيضاً في أهم المعارف المرتبطة بهذا النجم إن سهيل كان رمزاً للحب، لأنه متعدد الألوان ومتذبذب الظهور، إذ شبّهه البعض بخفقان القلب وأحد أجمل النجوم في السماء، وقال عنه أبو العلاء المعري: «وسهيل كوجنة الحب في اللون، وقلب للمحب في الخفقان».

ويقول الشاعر الإماراتي راشد بن سالم المنصوري:

جاك الفرج يا منتظر طلة سهيل

أيام وتذعذع نسيم البرادي

برز زهابك وانتبه للمعاميل

واختار من صفر الدلال الجدادي

خذ ما تبيه وزود البن والهيل

زود عددها لا تصير اقتصادي

وتقول العرب: «القيظ أوله طلوع الثريا وآخره طلوع سهيل». وتقول فيه أيضاً: «إذا طلع سهيل، طاب الليل وامتنع القيل ولام الفصيل الويل ورفع الكيل». ويقول الناس أيضاً: «إذا طلع سهيل، تلمس التمر في الليل».

وأهمية «سهيل» بدت في التراث والموروث الأدبي القديم، باعتباره هادياً ودليلاً؛ لذلك عندما رحل المسلمون العرب من أهل الجزيرة العربية إلى الأندلس وإلى خراسان افتقدوا مشاهدة نجم سهيل، فصاغوا العديد من الأشعار في ذلك، ومنها شعر مالك بن الريب التميمي، وكان قد خرج مع سعيد بن عفان لما ولي خراسان، فلما كان في الطريق أنشد يقول:

أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه

يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا

 أساطير

وفي الأساطير العربية اعتادت العرب قديماً سرد قصص ليحفظ الكبار والصغار هذا النجم ويستذكرونه، في سياق جهودهم لتعليم الناشئة وترغيبهم في رصده، ومن ثم تعلم فراسة الاستدلال بالنجوم ومعرفة أحوال الفصول. وتقول واحدة من هذه الأساطير إن نجم سهيل قد قتل «نعشا»، وكان لنعش سبع بنات حسان (بنات نعش – النجوم التي تشكل شكل الدب الأكبر)، فحزِّنّ على مقتل أبيهن.

وأقسمن أن لا يدفن جثته إلا بعد أن يدركن سهيلا ويأخذن بثأر أبيهن، فهرب سهيل إلى الجنوب الشرقي، فقررت البنات مطاردته، فحملت أربع منهن جثمان أبيهن، بينما سارت الثلاث الأخريات خلف النعش، وكانت إحداهن حاملا، والأخرى برفقة طفل صغير، وثالثتهن عرجاء تمشي الهوينا. إذن سهيل هو النجم الهارب إلى الجنوب والذي يظهر لعدة أشهر ويعود ليختفي عن الأنظار!

وفي أسطورة أخرى أن سهيل اختطف الجوزاء، وعبر بها النهر (درب التبانة)، ولأن لديه أختان هما الشعريان «الشعرى اليمانية» (أو المرزم) والشعرى الشامية، فقد أراد قوم الجوزاء الانتقام منهما فهربتا، واستطاعت الشعرى الأولى عبور النهر واستقرت في الجنوب جهة اليمن (الشعرى اليمانية) أما الأخرى فما استطاعت العبور وظلت في الشمال (في الشام) تبكي حتى اغمصت عيناها، لذلك تسمى بالشعرى الغميصاء.

بشرى

وفي الناحية الفلكية، أكد إبراهيم الجروان رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك لـ«البيان»، في سياق تعليقه على اقتراب ظهور هذا النجم، أن نجم سهيل يعد ثاني ألمع نجوم السماء، ويشاهد في الإمارات ابتداء من فجر يوم غد في الجهة الجنوبية الشرقية قبل طلوع الشمس بحوالي نصف ساعة، مشيراً إلى أنه مع طلوع سهيل تستبشر العرب بظهوره الذي يتزامن مع موعد بدء جلاء شدة الحر والجفاف وانقضاء القيظ، وترقب المطر النافع في الجزيرة العربية، ويبقى متوهجاً في السماء لمدة 52 يوماً تقريباً.

مواقيت

وأوضح الجروان أن «سهيل» يعتبر نجماً يمانياً أو جنوبياً، يشاهد في المناطق الجنوبية قبل مشاهدته في المناطق الشمالية، حيث يشاهد في اليمن في الثلث الأول من أغسطس، وفي ظفار وعسير في الثلث الثاني منه، وفي وسط الجزيرة العربية في الثلث الأخير من نفس الشهر، وفي شمال الجزيرة العربية وبادية العراق وبادية الشام في الثلث الأول من سبتمبر.

وقال: «يعتبر من النجوم الملاحية التي يتم استعمالها في الأغراض الملاحية والملاحة السماوية، كما يعتبر اتجاهه اتجاه قبلة أهل الشام، ويبدأ التقويم السهيلي المقترن بوقت طلوع النجم «سهيل» والذي يعرف «بتقويم الدرور»، خلال الفترة من 15 إلى 20 أغسطس على اختلاف أهل الحساب، و«تقويم الدرور» أو «حساب الدرور» هو التقويم التراثي عند أهل الخليج، ويقسم السنة إلى عشرات، كل عشر منها «در» وله ملامحه الطبيعية المميزة.

وأضاف الجروان: مع منتصف أغسطس يقولون يطلع سهيل (بين 15 إلى 20 أغسطس) ويبدأ حساب الدرور مع تلمس التغييرات الطبيعية وتلاحظ على بعض النباتات، ويقولون أيضاً: سهيل أول ما يطلع في الماء وبعدها يطلع في الأرض فيبرد أديم الأرض فجراً وهذا في العشر، ثم يشاهد نجماً في السماء في العشرين، ثم يظهر في الجو يدخل الصفري ويتضح ميل الحرارة نحو الانخفاض التدريجي، أما برودة الليل فلا تتحقق قبل مرور 60 ليلة من طلوع سهيل أي بعد منتصف أكتوبر، وبرودة النهار لا تتحقق إلا بعد مرور 100 ليلة على طلوعه وبداية مئة الشتاء في نهاية نوفمبر.

بداية الموسم

من جهته أوضح جمعة بن ثالث الباحث في التراث أن نجم سهيل هو بداية الموسم والمؤشر على بداية تغير الجو واعتداله وبداية المواسم منها الصيد، وهجرة الطيور، أو انتهاء موسم الرطب، ومع قرب ظهوره تسمع أصوات الطيور المهاجرة ليلاً، ويقولون مثلاً سهيل غدا أو بعد غد ويعرفون من أصوات الطيور المهاجرة أنها تنادي حتى لا تضيع السرب التابع لها، فالطير الأمامي الذي يترأس السرب يصدر الصوت والبقية تلحقه.

وأشار بن ثالث إلى مؤشرات وقراءات عن هذا النجم منها تغير الرياح من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، ويبدأ الصيادون اصطياد أنواع من الأسماك في بداية موسمها فيعلمون أن سهيل على الأبواب أو ظهر بالفعل، فيما البعض من الناس كان يذهب للبحر ويقيس درجة برودة الرمل من الداخل لا من على السطح ليستشعر ما إذا بدأت البرودة فيها، وهي أيضاً دليل على البرودة في قاع المياه.

وقال: في البر والمناطق الجبلية والسيوح تبدأ شجرة السمر بإنتاج أوراق جديدة يانعة باتجاه نجم سهيل، وهذه كلها قراءات لطلوع نجم سهيل، وبمجرد ظهوره يتغير الطقس وتنزل درجات الحرارة وتهطل الأمطار في العديد من المناطق دلالة على بدء تغيير الموسم نسبياً بسببه.

 

 

Email