«العلاج بالفن» في دبي.. تعافي الصحة النفسية بقوة الإبداع

تواصل دبي بفضل مبادراتها الإبداعية رفع معايير جودة الحياة والصحة النفسية عبر الفنون وطاقتها الاستشفائية، حيث تتلاقى الألوان لتخلق حكايات تبعث لدى المريض راحة نفسية، وتعبر عن قوة الشفاء بجمال الإبداع، وتسرد قصص وذكريات تعزز القدرة على خوض رحلة علاجية، على إيقاع الفنون.

وعن بدايات انتشار العلاج بالفنون الإبداعية وتاريخ إنجازاتها عالمياً يقول خليل عبدالواحد، مدير إدارة الفنون التشكيلية بهيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»: إن العلاج بالفنون كمهنة بدا في منتصف القرن الـ 20، ونشأ بشكل مستقل، وكانت مارغريت نومبورغ، المربية والمعالجة، من أوائل من عرفوا العلاج بالفن باعتباره شكلاً مميزاً من العلاج النفسي في الأربعينيات، ومن المثير للاهتمام، أن معظم برامج العلاج بالفن تتطلب دروساً ليس فقط في علم النفس، ولكن أيضاً في الفن.

وهنا نستحضر مقولة «قيمة الفن تكمن في العلاج» وفقاً للرسام البريطاني أدريان هيل، التي قالها خلال فترة نقاهته عندما كان يتعافى من مرض السل في عام 1942، وبذلك يتعدى مفهوم الفن اليوم ليطال أوجه العلاج وليكون أحد أهم طرق الشفاء من الأزمات النفسية والصحية. ويضيف: تسهم الفنون في دبي في تعزيز هذا النوع من العلاج، وترويجه على نطاق أوسع.

وقالت أخصائية العلاج بالفنون الإبداعية سارا بول: إن مركز ATIC للطب النفسي والاستشارات في دبي، يقدم جلسات العلاج بالفن، التي تدعم رحلة علاج الأطفال والشباب والبالغين، وتسهم في تطوير حالة المريض باستخدام الفن، الذي يعبر عن المشاعر والأفكار المعقدة، خاصة تلك التي قد تكون صعبة حتى للتعبير عنها بالكلام.

وتضيف: العلاج بالفن مناسب للأفراد من جميع الأعمار ومراحل الحياة، بما في ذلك أولئك الذين يتأثرون بتجارب شخصية، أو ثقافية صعبة، أو المرض، أو الإعاقة.

وتوضح سارا أن العلاج الفني هو شكل معترف به من أشكال العلاج النفسي لأكثر من 70 عاماً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ويُجريه محترفون مدربون يعرفون باسم الفنانين العلاجيين أو الفنانين النفسيين. وتردف: يستخدم العلاج بالفن كوسيلة رئيسية للتعبير عن الذات، والهدف منه تخفيف الضغط وتعزيز الرفاهية الاجتماعية والعاطفية والعقلية.

مسؤولية مجتمعية

ويقول الدكتور والمعالج النفسي بالفنون مصطفى كامل: أعمل عن كثب مع العديد من الفنانين والمبدعين الراغبين في الحصول على دبلوم في العلاج بالفن إيماناً منهم بأهمية تنمية المهارات النفسية وقدرتهم على تقديم الدعم والثقة لمن حولهم في إطار المسؤولية المجتمعية والتكاتف الإنساني تجاه الأشخاص المصابين باكتئاب وصدمات سواء كانت نفسية أو جسدية، وتعد الفنون التشكيلية أحد أهم طرق العلاج إلى جانب الكتابة والموسيقى، وتسهم في السيطرة على التوتر، وتخفيف الآلام، والتعبير عن المشاعر، وتقوية الذاكرة، وتحسين التواصل، كما تستخدم في علاج أمراض إلزهايمر وباركنسون، وتعزيز إعادة التأهيل البدني.

ويضيف: ليس هناك مهارات محددة يجب أن يتمتع بها المعالج بالفنون ولكن لا بد أن يكون قادراً على تقديم الدعم واكتساب ثقة المريض، إلى جانب الثقافة العامة والذكاء الاجتماعي في التواصل والاستجابة السريعة لرد فعل المريض.

ويتابع: «إن المعالج لا يقوم بترجمة العمل الفني الذي يقوم به المريض. ولكن يناقشه في معنى العمل الفني كما يراه هو، ما يسمح للمريض بحرية التعبير والتخلص من الكثير من الضغوط والحالة النفسية التي يعاني منها وبالتالي تقليل الجهد العصبي والبدني الذي يسمح باستجابة أفضل للعلاج الدوائي والمتابعة مع الطبيب المختص».

وحول تطوير تقنيات التعلم وتحويلها إلى فكر مستدام من منظور الفنون العلاجية وارتباطاتها بتطوير الذات لدى أصحاب الهمم، تقول ويمي دي مايكر، مديرة استوديو مواهب: من خلال حركات الفرشاة وتداخل الألوان، يجد أصحاب الهمم في دبي الكثير من الدعم الذي تقدمة مبادرات مجتمعات دبي الإبداعية. وتضيف: نسعى عبر إلى ابتكار بيئة محفزة لطلابنا للارتقاء بقدراتهم.

ومن خلال التدريب الفني والمهارات الحياتية، حاول تمكينهم استكشاف العالم والتعرف أكثر على إمكاناتهم الذاتية للاندماج في المجتمع كأفراد مستقلين ومتكاملين. ويتعامل المختصون بالفن العلاجي في الاستديو مع كل طالب على حدة بوصفه فرداً يتمتع بحرية الفكر والعمل وسط أجواء ترحيبية مفعمة بالعطاء والمحبة لزرع الثقة واكتساب فكر مستدام حول أهمية تطوير أعمالهم الفنية.

مساحات ملهمة

وبما يتعلق بقدرة الفنون على تحسين الصحة النفسية والعلاجية وصولاً إلى مرحلة الاستشفاء الكاملة تقول فنانة الوسائط والمصممة الأمريكية المقيمة في دبي أودي ميلر: إن العلاج بالفن يعد ملاذاً فريداً ومساحة آمنة للاستفادة من التأمل والشفاء.

حيث لا تكون الكلمات دائماً ضرورية، ويمكن للعواطف أن تجد صوتها بلغة الفن، أصبت في عام 2019 بجلطة دماغ ونتج عنها «حالة الحد الأدنى من الوعي المتغير بشدة» لكنها مصحوبة ببعض العلامات للوعي الذاتي أو الوعي بالبيئة المحيطة بالفرد.

ولكني لم استسلم لآثار هذه الحالة التي أكد الأطباء أنها تحتاج إلى أعوام لمعالجة الأضرار الناجمة عنها، واخترت أن أرسم على جهاز لوحي رغم أنني كنت أعاني من ازدواج الرؤية وفقدان الشعور بعضلات الوجه، ومع الصبر والمواظبة في الرسم تحسنت حالتي كثيراً، إلى أن شفيت تماماً في عام 2023. وهو ما وصفة الأطباء بالمعجزة الطبية.

 

الأكثر مشاركة