شباك الصيد.. موروث معنوي ومادي | تصوير: زيشان أحمد

الراوي: حليمة خميس بورشيد.. شغف بالهوية والماضي

الراوي، زاوية تبرز الرواة ممن توارثوا مهارة السرد ونقل المضامين من الذاكرة إلى الواقع، وذلك عبر المجالس والاجتماعات والفعاليات، متناولين التراث المحلي الإنساني عبر السنوات أباً عن جد، ومعالجين عدداً من القضايا الاجتماعية، ليسلطوا الضوء على التراث والشخصيات والقبائل، خاصة أن لكل منهم أسلوبه المميز للحديث عن الأماكن والقبائل. وفي الشعر والقصص والمواقف البطولية، يعتبر الراوي الذاكرة الحية التي تضيء لمن أُشكل عليه أمر أو معلومة ما، وهو المعلم في مجال سرد المعلومات التي تناقلتها الأجيال. ليكون الراوي بذلك الوجهة التي يقصدها الباحث للحصول على أصل المعلومة، فضلاً عن الجهات الرسمية التي تقصده في مناسبات كثيرة لذات الهدف، ولكن اليوم ومن هنا نتوجه للرواة لنقدم نبذة عن حياتهم؛ توثيقاً لسيرة مختصرة عن كلٍ منهم، تكريماً لهم ولدورهم الإنساني.

 

حليمة خميس بورشيد عرفت بأنها تملك ذلك القبول عند كل من تتحدث إليهم، وتنقل لهم تلك الحكايات، التي لا تزال تنبض بالحياة في روحها، وفي كل روح شغوفة بهويتها وبحضارة وماضي السلف، ممن أبدعوا في ما تعلموه وما زالوا من حرفيات لأجل الفائدة والاستخدام اليومي، وهي تلك المرأة التي كبرت في منطقة اللؤلؤية بمدينة خورفكان، محاطة بنسيج اجتماعي مترابط ومحب لبعضه، وكانت تقتبس من كل ما تراه شيئاً مميزاً ليصبح لها زاداً، وليس مجرد مهارة أو حرفة، وقد أوتيت الحكمة، ولا يؤتى الحكمة إلا القليل من الخلق، ولم يجرها ذلك إلى التخلي عن التواصل مع من حولها، لأن التزود بالجديد من المهارات بحاجة إلى متابعة دائمة لأجل التطوير وتجويد ما تقوم به.

حليمة خميس من مواليد منطقة اللؤلؤية بمدينة خورفكان، وقد تمرست في العديد من المهارات والحرف اليدوية، وكانت أينما تحل وأينما تكون تمنح من حولها والحضور ألق الكلمات وروعة المسميات المحلية، ولها الكثير مما لا يعد من المشاركات، لتحكي لمن تقابلهم تلك الذكريات التي تحمل في عمقها الخير الكثير، الذي يستفاد منه في المعيشة والاستخدام اليومي، وليس مجرد قطع تحاك أو تغزل أو تصنع لتعرض في الفعاليات التراثية، ومن المهارات التي تجود بها لفظياً، وتبدع أناملها فيها تصنيع منتجات النخلة، وأمر آخر مميز، وهو «الطراقة»، وهي اللفظة التي يكمن خلفها عالم من الحب والجهد والمئات من ساعات العمل؛ وذلك لأنها تنسج خيوطاً وتحولها إلى تلك الشباك العملاقة التي تغوص لأعماق محددة وبفتحات مختلفة الحجم، بحسب النوع الذي يرغبون في الحصول عليه، وتخرج منها تلك الأسماك التي يعشقها أغلب أهل الإمارات.

حليمة وكل أسرتها يعملون لعدة ساعات يومياً لأجل إنتاج تلك الشباك، فما من أحد في المنزل إلا ويعمل مجاوراً للآخر، ورغم دخول التقنيات الحديثة إلا أنها تعتبر إحدى حاميات التراث؛ ولذلك لا تزال مستمرة في العمل على التصنيع، وأيضاً تشارك بحديثها عن مهاراتها في الأعشاب، فهي تجيد ذلك وتحفظ ما اكتسبت من خبرات تراكمية، فقد كانت لصيقة بالأمهات اللاتي يصنعن أدويتهن قبل دخول الطب الحديث، وتعرف حليمة بأنها «المداوية»، التي يمكنها أن تقدم النصائح أو تجرب الخلط بين بعضها لتخرج بتركيبة علاجية، ومن يفعلن ذلك نادرات؛ لأن الجميع يعلم أن المعالج لا بد أن يتحمل المسؤولية.

شاركت الراوي حليمة بورشيد في العشرات من المناسبات، وتحظى حتى اليوم بمكانة كبيرة لدى الجهات التي تنفذ الفعاليات، فتشاركهم الوقت لأجل تصوير تلك الأفلام الوثائقية التي ترتبط بالمناسبات، كما تتخذ مكاناً قد تم إعداده سلفاً لها لأجل أن تستمر في مهمتها، فهي تلك السيدة التي تخبرنا بأسرار المرأة الإماراتية، حين تعمل بعدة أدوار داخل منزلها، وأسرار ذلك الشغف بالجانب التراثي والمهارات الحرفية.