درويش الأميري خلال عرضه لمنتجاته | تصوير: زيشان أحمد

استدامة التراث.. الأسماك المجففة وجبات تراثية على موائد الحاضر

استدامة التغذية بالسمك المجفف تقنية تراثية موغلة في القدم، وجاءت نتيجة الحاجة لتناول الأسماك حين يقل أو ينقطع الطازج، في أوقات كان من الصعب الخروج فيها للصيد لأسباب مناخية، وأيضاً لأن الكثير من التجمعات البشرية كانت بعيدة عن البحر، فمنهم من يسكن الجبال أو الأودية، حين لم تكن تتوفر الوسائل الحديثة للنقل، ومن هنا كان تجفيف الأسماك يضمن الحصول عليها في أي وقت، وهو أحد الابتكارات البشرية، وقد تعامل بها أهل الإمارات، لأجل صنع وجبات لذيذة، خصوصاً أن السمك هو الوجبة الرئيسة، حيث كان يؤكل قديماً مع التمر فقط حين لا يتوفر الأرز، واستمرار طرق التجفيف ينم عن حس عالٍ بأهميته، من حيث وفرة العناصر في مكونات الأنواع التي يتم تجفيفها، مثل لحم سمك القرش الصغير وأسماك متنوعة ومنها بيوض الأسماك، وكذلك لجأ الإنسان إلى تمليح السمك مثل الكنعد والقباب.

درويش أحمد محمود الأميري أحد الخبراء في مجال المهن البحرية، ولا يزال يخرج للصيد حتى الآن، وفي الوقت ذاته يقوم بمعاونة فريق له بعمليات التجفيف والتمليح، يقول: هذه العمليات المتعلقة بالتجفيف والتمليح لم تعد مجرد حرفة تراثية للمعيشة بسبب سوء الأحوال الجوية، حين لا يستطيع الصيادون الخروج للبحر لأجل الصيد، أو عدم توفر وسائل النقل مثل توصيل السمك لأماكن نائية، حيث أصبحت الأسماك متوفرة وبكثرة في مختلف أسواق الإمارات، بل إن هذا النوع من الغذاء مرغوب وتحرص الأسر على توفير بعض منه، حيث ارتبط بقائمة الوجبات الرئيسية في الإمارات، ولا بد من الحنين نحو وجبة «مالح» أو «مرقة عوال» وغيرهما، وله مردود مادي واقتصادي للأسر التي تتعامل مع مجال الصيد والتجفيف، لأن الطلبات لم تنقطع منذ الماضي البعيد وحتى اليوم، ويجتذب سوق الأسماك المواطنين من مختلف أنحاء الإمارات، وتعقد الكثير من الصفقات وأيضاً العقود مع المطاعم التي تقدم وجبات شعبية وتراثية خاصة.

إن الثقافة الغذائية في الإمارات لا يمكن أن تنفصل عن الموروث في مجال التغذية، وذلك يجعل المحترف في مجال التجفيف يستمر في هذا المجال، وفي كل سوق هناك متخصصون يواصلون العمل لأجل استدامة تجفيف الأسماك، لأنه مع كل عام من التطور لا ينسى محبو الوجبات البحرية الحصول عليه، ويحمل المسافرون «السحناة المسحوقة» من السمك المجفف وكذلك شرائح «اليوبل» و«العوال» عند سفرهم، فهناك حنين وربما حاجة لصنع تلك الوجبات المتعارف عليها، ومعها السمن المحلي المصنوع من زبدة الأبقار، وربما أصبحت الأسر المقيمة أيضاً تقبل على هذه الأنواع من الأطباق الشعبية، بعد أن تذوقتها من خلال الأصدقاء الإماراتيين بجوارهم، أو من خلال ارتيادهم للمطابخ الشعبية في مختلف أنحاء الدولة.