الإبل في الإمارات.. إرث الأجداد ورفيقة الصحراء

على مرّ القرون حظيت الإبل برعاية خاصة في دولة الإمارات، فهي من أركان ومكونات تراث الدولة.

وينبع اهتمام الإمارات وقيادتها الرشيدة برعاية ملاك الإبل وتشجيعهم على تربيتها ومواصلة الوفاء لها، باعتبارها ثروة وطنية قيّمة، علماً أن الإمارات أول دولة في التاريخ الحديث تقيم سباقات للهجن العربية الأصلية.

وقد أمر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بتشييد ميادين مجهزة بأعلى المستويات ومدرجات ضخمة، لتصبح سباقات الهجن من الرياضات التراثية المهمة ومعلماً تراثياً وثقافياً في الدولة، الأمر الذي سارت عليه القيادة الإماراتية الرشيدة.

مكانة متميزة

ويسرد عبيد بن حامد الطنيجي حكايته مع تربية الإبل والاهتمام بها، قائلاً: «إن الإبل رفيقة ابن الصحراء، وثروتي ومصدر رزقي، وإرث الآباء والأجداد؛ وكانت وسيلة للسفر ونقل الماء والمؤن في أيام السلم والحرب، فضلاً عن الاستفادة من لحمها ووبرها ولبنها». ويضيف: «لم تقتصر الإبل على الصحراء فحسب، بل كانت وسيلة نقل بين الساحل والبادية».

ويتابع: «للإبل مكانة في مجتمعنا العربي، وإن كان دورها في الماضي مختلفاً.. دورها اليوم مقسم إلى أربعة مستويات: هجن السباق، وإبل المزاينة، وإبل المحالب الذي يشارك في مسابقة الحليب، وإبل الإنتاج الذي يشمل إنتاج اللحوم وهجن السباق.. وكل نوع يتفرد بميزات ويشترك ببعضها مع الآخر».

ويوضح الطنيجي الفرق بين أنواع الجمال: «تشتهر شبه الجزيرة والمغرب وأفريقيا والمنطقة العربية بالجمال ذات السنام الواحد، وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، تتحمل الإبل قساوة الصحراء، وتبقى أياماً من دون شراب، أما الجمال ذات السنامين والمنتشرة في دول شرق آسيا وروسيا والهند وباكستان ومنغوليا، فلا تحتفظ بكمية كبيرة من الماء، ويكون وبرها كثيفاً يساعدها على العيش في المناطق الباردة».

ويقول الطنيجي، إن «لكل قبيلة عزلاً متعارفاً عليه تميز به إبلها، ويتم العزل بطريقة الكي، حيث تضع كل قبيلة علامتها الفارقة على جزء معين من جسم المطية».

وبالنسبة لسلالات الهجن، توجد في الإمارات سلالات كثيرة، ولكن تلك الأصلية هي ثلاث: ظبيان وصوغان ومصيحان، وسُميت بأسمائها تبعاً لدورها وفعلها الإيجابي فيما يخص سلالات الإبل. ويختتم الطنيجي: «كل السلالات المتواجدة في مضامير السباق ترجع لهذه السلالات، فهي الأساس رغم التهجين الذي طال الكثير منها، كما أن النوق تُنسب إلى الأب».

غرس الموروث

وأثبتت فاطمة الهاملي، الحاصلة على لقب «سفيرة الأصالة العربية»، وهي أول مالكة إبل في دولة الإمارات، أن المرأة الإماراتية قادرة على التحدي وتحقيق المعجزات وتذليل الصعاب. وتقول الهاملي: «ترعرعت في أسرة تعشق تربية الإبل، وبدأ اهتمامي بها من عمر الخامسة، واكتسبت الكثير من والدي الذي كان يمتلك مزرعة جمال، علّمني طرق العناية بها وكيفية تغذيتها وحلبها وطرق وضعها، فأعطتني هذه التفاصيل خبرة اقتناء الإبل فيما بعد».

وتضيف: «بدوري حرصت على غرس هذا الموروث في أبنائي، الذين لم يشغلهم تحصيلهم الدراسي العالي من أن يصبحوا ملاك هجن يحرصون على المشاركة بالمسابقات والمزاينات».

وتتابع: «نقضي الشتاء في البر، حيث يكون من السهل على الناقة أن تضع مولودها هناك، بينما نقضي الصيف في العزبة رفقة حلالنا»، مشيرةً إلى أنها تمتلك اليوم 40 جملاً «ذكوراً وإناثاً» من أفضل السلالات، وتشارك في سباقات الهجن والمزاينات.

وتطورت علاقة فاطمة الهاملي بالإبل، حيث تقوم بترويضها في مزرعتها جنوب بني ياس في أبوظبي، وتقول إنها تتواصل معها بلغة خاصة كالإشارة، وأطلقت عليها أسماء مثل (غروب، بروق، حلا، هلا، أشواق، البطرانة، شيخة، هملولة، مشغوبة)، وتتحلق حولها حين مناداتها، لتتجلى أسمى صور الاستئناس والألفة بين الإنسان العربي وسفينة الصحراء.

مسميات وسباقات

يعيش مطر بن غرير الكتبي حياة البداوة التي يعتز بها في منطقة سهيلة التابعة لإمارة الشارقة، فهو رجل من الزمن الجميل يعشق التراث، وينشغل بالاهتمام بإبله، ويقول إن «تربيتها من العادات التي يجب أن تبقى وتتوارثها الأجيال، والإنسان يجب أن لا يتجرد من هويته مهما تبدلت الظروف وطغت على حياته مظاهر الحداثة».

ويقول الكتبي عن مراحل الفئة العمرية للإبل: «عندما تولد الإبل تُسمى «حوار»، وبعد ستة أشهر تنتقل إلى «فطيم» أو «مفرود»، وتبقى في هذه المرحلة من سنة ونصف السنة إلى سنتين، وسُميت بهذا الاسم، لأن الجمل ينفرد عن أمه.

بينما تُسمى المراحل التالية «الحج» ثم «اللقي» فـ«الجذع»، وتليها مراحل «الثني» و«الرباع» و«السدس»، ومدة كل منها سنة، وبعدها تدخل الإبل مرحلة «الفطر»، قبل أن تصل إلى «الهرش» أو «الثلب» بالنسبة للذكر، و«فاطر» بالنسبة للأنثى، حيث تتوقف فيها عن الوضع.

ويضيف الكتبي: إن العمر الافتراضي للإبل حوالي 40 سنة، وما يميزها أنها تلقح وتلد في فصل الشتاء. ومن العادات التي تهدف إلى الحفاظ على الموروث العربي الغني هي سباقات الهجن والمزاينة، وهنا يشرح الكتبي الفرق بينهما: «في سباقات الهجن، يجب أن يُروض ويُهذب «المفرود» أو «الفطيم» قبل أن يدخل في برنامج تدريبي ليكتسب اللياقة ويصبح مؤهلاً للاشتراك في المسابقات».

ويؤكد الكتبي أن لكل فئة عمرية برنامجاً تدريبياً خاصاً تندرج فيه المسافات التي ستركضها، والهجن تخضع للتغذية ومراقبة وزن الطعام، ومن ضمن التدريب هناك مرحلة التفحيم، حيث يتم تعريفها بمضمار السباق على مراحل أو مستويات.

وبالنسبة لمهرجانات المزاينة، يوضح الكتبي أن الإبل تخضع لتهذيب وترويض وبرامج تغذية وتدريب وعرض، وتختلف عن مطية السباق بالنسبة لبرنامج التغذية والتدريب، حيث يتم إعطاؤها كميات كبيرة من الطعام لتسمينها، وتدريبها عن طريق المشي فقط ولمسافات قصيرة، مع استخدام مواد التنظيف لتلميعها وتنظيفها بشكل دوري.

 

الأكثر مشاركة